المحجوبين عن الحق الهالكين الذين خسروا نور استعدادهم بالاحتجاب بهما وبالأولاد والأتباع أو المحجوبين بأموال العلوم الحاصلة بالعقل الشيطاني المشوب بالوهم ونتائج فكرهم المقتضية لمحبة البدن والمال (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) أي : معبوداتكم التي عكفتم بهواكم عليها من ودّ البدن الذي عبدتموه بشهواتكم وأحببتموه وسواع النفس ويغوث الأهل ويعوق المال ونسر الحرص.
[٢٥ ـ ٢٦] (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦))
(مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) أي : من أجل أعمالهم المخالفة للصواب (أُغْرِقُوا) في بحر الهيولى ، (فَأُدْخِلُوا) نار الطبيعة.
[٢٧] (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧))
(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) ملّ عن دعوة قومه وضجر واستولى عليه الغضب ودعا ربّه لتدمير قومه وقهرهم وحكم بظاهر الحال أن المحجوب الذي غلب عليه الكفر لا يلد إلا مثله ، فإن النطفة التي تنشأ من النفس الخبيثة المحجوبة وتتربى بهيئتها المظلمة لا تقبل إلا نفسا مثلها ، كالبذر الذي لا ينبت إلا من صنفه وسنخه. وغفل أن الولد سر أبيه ، أي : حاله الغالبة على الباطن فربما كان الكافر باقي الاستعداد ، صافي الفطرة ، نقيّ الأصل بحسب الاستعداد الفطري وقد استولى على ظاهره العادة ودين آبائه وقومه الذين نشأ هو بينهم فدان بدينهم ظاهرا وقد سلم باطنه فيلد المؤمن على حاله النورية كولادة أبي إبراهيم إياه فلا جرم تولد من تلك الهيئة الغضبية الظلمانية التي غلبت على باطنه وحجبته في تلك الحالة عما قال مادة ابنه كنعان ، فكان عقوبة لذنب حاله.
[٢٨] (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨))
(رَبِّ اغْفِرْ لِي) أي : استرني بنورك بالفناء في التوحيد ولروحي ونفسي اللذين هما أبوا القلب (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ) أي : مقامي في حضرة القدس (مُؤْمِناً) بالتوحيد العلمي ولأزواج الذين آمنوا بي ، أي : ونفوسهم فبلغهم إلى مقام الفناء في التوحيد (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) الذين نقصوا حظهم بالاحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور (إِلَّا تَباراً) هلاكا بالغرق في بحر الهيولى وشدّة الاحتجاب ، والله تعالى أعلم.