[١٣ ـ ١٥] (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥))
(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ) من عمله الذي يوجب نجاته وثوابه من الخيرات والصالحات (وَأَخَّرَ) ففرّط وقصر فيه ولم يعمله (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) حجة بينة يشهد بعلمه لبقاء هيئات أعماله المكتوبة عليه في نفسه ورسوخها في ذاته وصيرورة صفاته صور أعضائه ، فلا حاجة إلى أن ينبأ من خارج (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أي : أرخى ستوره فاختفى بها عند ارتكاب تلك الأعمال. أو ولو ألقى أعذاره مجادلا عن نفسه بكل معذرة.
[١٦ ـ ٢١] (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١))
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) أي : الإنسان عجول بالطبع كما قال : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (١) فلذلك اختار العاجلة واحتجب بها عن الآجلة. ألا ترى أنك مع وفور سكينتك وكمال وقارك بالله تعجل عند إلقائنا الوحي إليك فتظهر نفسك لتتلقفه وهو ذنب حالك وحجاب وجودك ، وهو معنى قوله : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ* وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) فلا تفعل ولا تحرّك لسانك به ، فظهور نفسك واضطرابها عجلة به ولتكن قواك هادية ونفسك غائبة عن مورد الوحي وقلبك سالما عن صفاتها خالصا في التوجه آمنا عن حركة النفس.
(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) إن علينا جمعه فيك وقرآنه أي : ليكن جمعه في مقام الوحدة وقراءتك إياه بنا فانيا عن ذاتك وفي عين الجمع حيث لم يكن لك وجود ولا بقية ولا عين ولا أثر (فَإِذا قَرَأْناهُ) أوجدناه حال فنائك فينا (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) بالرجوع إلى مقام البقاء بعد الفناء وظهور القلب والنفس فيّ ، ثم عند كونك في مقام التفصيل (إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) وإظهار معانيه في حيز قلبك ونفسك مفصلة مشروحة (كَلَّا) ردع له عن العجلة (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) سواء حالك وحالهم بحكم البشرية ومقتضى الطبيعة والنفس الطيّاشة.
[٢٢ ـ ٤٠] (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠))
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٧.