[١٧ ـ ١٨] (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨))
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها) زنجبيل لذة الاشتياق ، فإنهم لا شوق لهم ليكون شرابهم الزنجبيل الصرف الذي هو غاية حرارة الطلب لوصولهم ، ولكن لهم الاشتياق للسير في الصفات وامتناع وصولهم على جميعها فلا تصفو محبتهم من لذة حرارة الطلب كما صفت لذة محبة المستغرقين في عين جميع الذات فكان شرابهم العين الكافورية الصرفة (عَيْناً) بدل من زنجبيلا أي : هو عين في الجنة لكون حرارة الشوق عين المحبة الناشئة من منبع الوحدة مع الهجران (تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) لسلاستها في الحلق وذوقها. فإن العشاق المهجورين الطالبين السالكين سبيل الوصال في ذوق وسكر من حرارة عشقهم لا يقاس به ذوق.
[١٩ ـ ٢٠] (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠))
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) من فيوض الأسماء الإلهية المتجلية عليهم في عالم القدس وهي الأنوار الملكوتية والجبروتية المنكشفة عليهم في حضرات الصفات وجناتها. ولو كانت جنانهم من جنان الأفعال لطافت عليهم الحور مكان الولدان ، لأن الأسماء مؤثرة في الأفعال والصفات مصادرها ومبادئ الآثار والهيئات وكونهم مخلّدين بقاؤهم على التجرّد أبدا (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) لنوريتهم وصفائهم وبساطة جواهرهم.
[٢١] (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١))
(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) أي : تعلوهم ملابس سندس الأحوال والمواهب اللطيفة من أنوار الصفات البهيجة. والخضرة عبارة عن البهجة والنضرة وإستبرق الأخلاق الإلهية (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) أي : زينوا بزينة المعاني المعقولة المنوّرة بنور الوجدان (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) من لذة محبة الذات والعشق الحقيقي الصرف الصافي عن كدر الغيرية واثنينية الصفات الطاهر عن دنس ظهور الأنانية والبقية.
[٢٢] (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢))
(إِنَّ هذا) المذكور من الجنة والأواني والولدان والشراب (كانَ لَكُمْ جَزاءً) لقيامكم بحق تجليات الصفات (وَكانَ سَعْيُكُمْ) من الأعمال القلبية في مقامها كالخشية والهيبة عند تجلي العظمة والخضوع والأنس عند تجلي صفة الرحمة والإخلاص في طلب تجلي الوحدة وأمثال ذلك (مَشْكُوراً) بهذا الجزاء.