(بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) أي : كتبة هي العقول المقدّسة المؤثرة في تلك الألواح (كِرامٍ) لشرفها وقربها من الله (بَرَرَةٍ) أتقياء لتقدّسها عن المواد ونزاهة جوهرها عن التعلقات. ثم لما بين أن القرآن تذكرة للمتذكرين تعجب من كفران الإنسان واحتجابه حتى يحتاج إلى التذكير وعدم النعم الظاهرة التي يمكن بها الاستدلال على المنعم بالحس من مبادئ خلقته وأحواله في نفسه وما هو خارج عنه مما لا يمكن حياته إلا به وقرر أنه مع اجتماع الدليلين أي النظر في هذه الأحوال الموجب لمعرفة الموجد المنعم والقيام بشكره وسماع الوعظ والتذكير بنزول القرآن (لَمَّا يَقْضِ) في الزمان المتطاول (ما أَمَرَهُ) الله به من شكر نعمته باستعمالها في إخراج كماله إلى الفعل والتوصل بها إلى المنعم ، بل احتجب بها وبنفسه عنه.
[٣٣ ـ ٤١] (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١))
(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) أي : النفخة الأولى المذهبة للعقل والحواس (يَوْمَ) يهتم كل أحد بأمر نفسه لا يتفرّغ إلى غيره لشدة ما به واشتغاله بما يظهر عليه من أحوال نفسه ، انقسم الناس قسمين : السعداء المسفرة وجوههم المضيئة المتهللة بنورية ذواتهم وصفائها المستبشرة بما لقوا من هيئات أعمالهم ونعيم جنانهم ، والأشقياء المسودة وجوههم بسواد كفرهم وظلمة ذواتهم المغبرة بغبار هيئات فجورهم وقتام آثار أعمالهم.
[٤٢] (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢))
(أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أي : اجتماع كفرهم وفجورهم هو السبب في اجتماع السواد والغبرة على وجوههم.