(إِنَّ الْأَبْرارَ) السعداء الأتقياء عن دون صفات النفوس (لَفِي نَعِيمٍ) من جنان الصفات والأفعال (عَلَى الْأَرائِكِ) التي هي مقاماتهم من الأسماء الإلهية في حجال عالم القدس الخفي عن أعين الإنس (يَنْظُرُونَ) إلى جميع مراتب الوجود ويشاهدون أهل الجنة والنار وما هم فيه من النعيم والعذاب لا تحجب حجالهم عنه شيئا وتحجب أغيارهم عنهم (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) بهجته ونوريته وآثار سروره (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) خمر صرف من المحبة الروحانية الغير الممزوجة بحب النفس للجواهر الجسمانية (مَخْتُومٍ) بختم الشرع لئلا تمتزج به النجاسات الشيطانية من المحبات الوهمية المحرمة والشهوات النفسانية المهيئة.
[٢٦ ـ ٢٧] (خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧))
(خِتامُهُ مِسْكٌ) هو حكم الشرع بالمباحات المطيبة للنفوس المقوية للقلوب.
(وَفِي ذلِكَ) أي : في شرب رحيق المحبة الروحانية الصرفة المقيدة بقيد الشريعة ولذتها الصافية (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) فإنه أعزّ من الكبريت الأحمر (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) أي : مزاج خمر الأبرار من تسنيم العشق الحقيقي الصرف وهو محبة الذات المعبر عنها بالكافور باعتبار الخاصية حال الجمع عبر عنها بالتسنيم باعتبار المرتبة حال التفصيل فإنه في أعلى رتب الوجود ويجري كما قيل في غير أخدود لتجرّده عن المحل والتعين بصورة وصفه ، أي : لهم مع محبة الصفات في مقامها محبة الذات الصرفة ممزوجة بشرابهم لمشاهدتهم الذات من وراء حجب الصفات.
[٢٨ ـ ٣٦] (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦))
(عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) أي : التسنيم عين يشرب بها المقرّبون صرفة وهم الكاملون الواصلون إلى توحيد الذات من أهل التمكين القائمين بالله في مقام التفصيل بالاستقامة ، ففرق بين أهل الاستقامة في مقام التفصيل وأهل الاستغراق في مقام الجمع باختلاف اسمهم واسم شرابهم مع إيجاد حقيقتهم وحقيقة شرابهم بأن سماهم مقرّبين للإشعار بالفرق مع القرب ، وسمّى شرابهم التسنيم للإشعار بعلوّ الرتبة بالنسبة إلى سائر الرتب ، وسمّى أهل الاستغراق بعباد الله للإشعار بالمقهورية مع الاختصاص المؤذنة بالفناء ، وسمّى شرابهم بالكافور للإشعار بالوحدة الصرفة والبياض الخالص بلا نسبة وفرق.