للرذائل الذين فجروا بخروجهم عن حدّ العدالة المتفق عليها الشرع والعقل (لَفِي سِجِّينٍ) في مرتبة من الوجود مسجون أهلها في حبوس ضيقة مظلمة يزحفون على بطونهم كالسلاحف والحيّات والعقارب أذلاء أخساء في أسفل مراتب الطبيعة ودركاتها وهو ديوان أعمال أهل الشرّ ولذلك فسر بقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي : ذلك المحل المكتوب فيه أعمالهم كتاب مرقوم برقوم هيئات رذائلهم وشرورهم.
[١٢ ـ ١٣] (وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣))
(وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) مجاوز طور الفطرة الإنسانية بتجاوزه حدّ العدالة إلى الإفراط والتفريط في أفعاله (أَثِيمٍ) محتجب بذنوب هيئات صفاته.
[١٤ ـ ١٧] (كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧))
(كَلَّا) ردع عن هاتين الرذيلتين (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : صار صدأ عليها بالرسوخ فيها وكدر جوهرها وغيرها عن طباعها ، والرين حد من تراكم الذنب على الذنب ورسوخه تحقق عنده الحجاب وانغلق باب المغفرة ، نعوذ بالله منه ولذلك قال : (كَلَّا) أي : ارتدعوا عن الرين (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) لامتناع قبول قلوبهم للنور وامتناع عودها إلى الصفاء الأول الفطري كالماء الكبريتي مثلا ، إذ لو روّق أو صعد لما رجع إلى الطبيعة المائية المبردة لاستحالة جوهرها بخلاف الماء المسخن الذي استحالت كيفيته دون طبيعته ، ولهذا استحقوا الخلود في العذاب وحكم عليهم بقوله : (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ).
[١٨ ـ ٢١] (كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١))
(إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) أي : ما كتب من صور أعمال السعداء وهيئات نفوسهم النورانية وملكاتهم الفاضلة في عليين وهو مقابل للسجين في علوه وارتفاع درجته وكونه ديوان أعمال أهل الخير كما قال : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي : محل شريف رقم بصور أعمالهم من جرم سماوي أو عنصري إنساني (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) أي : يحضر ذلك المحل أهل الله الخاصة من أهل التوحيد الذاتي.
[٢٢ ـ ٢٥] (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥))