على حاله الذي كنتم تنكرونه. ويجوز أن يكون قوله : لترونّ الجحيم ، سادّا مسدّ جواب لولا أنّ القسم والشرط إذا اجتمعا اتحد جوابهما معنى وخصّ بالقسم لفظا سادّا مسدّ جواب الشرط كقوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١) أي : والله لو علمتم علم اليقين ووصلتم إلى مرتبته لرأيتم نار جحيم الطبيعة المخصوصة بالمحجوبين بهذه الرذائل من الانغماس في الشهوات واللذات الوهمية والخيالية والكمالات الحسيّة والبدنية التي غرزتم لأرؤسكم فيها وتهالكتم عليها فانتهيتم عنها الانتهاء البالغ ثم ما وقفتم على مرتبة العلم اليقيني لوجدانكم ذوقه ومعرفتكم لذته وبقاءه وحسنه وشرفه وبهاءه وبقاء تبعة ما أنتم الآن فيه وفنائه وقبحه وخسّته ووباله ، فترقيتم إلى رتبة العيان والمشاهدة ، فعاينتم الحقائق على ما هي عليه من الأنوار القدسية والصفات الإلهية فشاهدتم بنور العيان حقيقة الجحيم ووبال هذه اللذات وما لها من آلام الهيئات وعذاب النيران والحرمان. ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم أي شيء هو ، أهذا الذي أنتم الآن فيه من النعيم الأخروي أم ذاك النعيم الدنيوي؟ أو لو تعلمون العلم اليقيني أيها المحجوبون بهذه الزخارف والخرافات لترون الجحيم من شدة الشوق واستيلاء نار العشق ، ثم لترقون بذلك الشوق إلى رتبة عين اليقين والمشاهدة فترون حقيقة نار العشق عيانا ، ثم لتسألنّ بعد هذا الذوق عن النعيم الذي هو حق اليقين ما هو ، أي : ثم لتجدنّ ذوق الوصول وأثر مرتبة حق اليقين فيمكنكم الإخبار عنها ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٢١.