سورة مريم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ١١] (كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١))
(كهيعص) قد تقدم فيما سلف أن كل طالب ينادي ربّه ويدعوه إنما يستحق الإجابة إذا دعاه بلسان الحال وناداه باسمه الذي هو مصدر مطلوبه بحسب اقتضاء استعداده في ذلك الحال ، علم أو لم يعلم ، إذ العطاء والفيض لا يكون إلا بحسب الاستعداد ، والاستعداد لا يطلب إلا مقتضى ذلك الاسم فيجيبه بتجلي ذلك الاسم الذي يجبر نقصه ويقضي حاجته بإفادة مطلوبه كما أن المريض إذا قال : يا ربّ ، فمراده : يا شافي ، إذ الحق يبريه بذلك الاسم عند إجابته. وكذا الفقير إذا ناداه أجابه باسمه المغني إذ هو ربّه. فنادى زكريا عليهالسلام ربّه ليهب له وليّا يقوم مقامه في أمر الدين ، وتوسل إليه بأمرين ، واعتذر إليه معتلا بأمرين ، توسل بالضعف والشيخوخة والوهن والعجز عن القيام بأمر الدين في قوله : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) فأجابه باسمه الكافي فكفاه ضعفه وأعطاه القوّة وأيّده بالولد ثم بعنايته به قديما بقوله : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) فأجابه باسمه الهادي وهداه إلى مطلوبه بالبشارة والوعد ، لأن العناية (١) المقتضية للسعادة المستلزمة لسلب الشقاوة ، كما أشار إليها ، يلازمها عبارة عن علمه تعالى في الأزل بعين في العدم وتقتضي باستعدادها سعادة تناسبها وهو عين إرادته تعالى ذلك الكمال لها عند وجودها فلا بد من هداية لها إليه ، والهداية إنما تتم بالتوفيق ، وهو ترتيب الأسباب الموافقة لذلك المطلوب المؤدّية إليه ، ولم يجدها موافقة ووجد
__________________
(١) قوله : لأن العناية إلخ .. كذا في الأصل ، ولعل الناقل أحله ، وليحرر. اه.