(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) غير هذا المتقلب في أطوار الخلقة بنفخ روحنا فيه وتصويره بصورتنا ، فهو في الحقيقة خلق وليس بخلق (لَمَيِّتُونَ) بالطبيعة.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الصغرى (تُبْعَثُونَ) في النشأة الثانية ، أو ميتون بالإرادة ، ويوم القيامة الوسطى تبعثون بالحقيقة ، أو ميتون بالفناء ويوم القيامة الكبرى تبعثون بالبقاء (فَوْقَكُمْ) أي : فوق صوركم وأجسامكم (سَبْعَ طَرائِقَ) عن الغيوب السبعة المذكورة (وَما كُنَّا) عن خلقها (غافِلِينَ) فإنّ الغيب لنا شهادة (وَأَنْزَلْنا) من سماء الروح ماء العلم اليقيني (فَأَسْكَنَّاهُ) فجعلناه سكينة في النفس (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) بالاحتجاب والاستتار (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ) من نخيل الأحوال والمواهب وأعناب الأخلاق والمكاسب (لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) من ثمرات لذات النفوس والقلوب والأرواح (وَمِنْها) تقوتون وبها تتقون (وَشَجَرَةً) التفكّر (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ) الدماغ أو طور القلب الحقيقي بقوّة العقل (تَنْبُتُ) ما تنبت من المطالب ملتبسا بدهن استعداد الاشتغال بنور نار العقل الفعّال (وَصِبْغٍ) لون نوريّ أو ذوق حاليّ للمستبصرين المتعلمين المستطعمين للمعاني (وَإِنَّ لَكُمْ فِي) أنعام القوى الحيوانية (لَعِبْرَةً) تعتبرون بها من الدنيا إلى الآخرة (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) من المدركات والعلوم النافعة (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) في السلوك (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) تتقوّتون بالأخلاق (وَعَلَيْها وَعَلَى) فلك الشريعة الحاملة إياكم في البحر الهيولاني (تُحْمَلُونَ) إلى عالمالقدس بقوّة التوفيق.
[٢٧] (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧))
(فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ) فلك الحكمة العملية والشريعة النبوية (بِأَعْيُنِنا) على محافظتنا إياك عن الزلل في العمل (وَوَحْيِنا) بالعلم والإلهام (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) بإهلاك القوى البدنية والنفوس المنغمسة المادية (وَفارَ) تنور البدن باستيلاء المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) أي : من كل شيء صنفين من الصور الكلية والجزئية أعني صورتين اثنتين إحداهما كلية نوعية والأخرى جزئية شخصية (وَأَهْلَكَ) من القوى الروحانية والنفوس المجرّدة الإنسانية ممن تشرّع بشريعتك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بإهلاكه من زوجتك النفس الحيوانية والطبيعة الجسمانية (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) من القوى