المبدأ مع انحفاظ الذات ولو بلحاظ بعض مصاديقها ، بلحاظ «ضارب» لا بلحاظ «واجب» وهذا يكفي لتعقل النزاع.
والتحقيق أن هذا الإشكال نشأ من عدم تحديد معنى الركن الثاني وهو إمكان بقاء الذات مع زوال المبدأ وعدم استحالة بقاء الذات مع زوال المبدأ ، فقد وقع خلط بين الاستحالة الفلسفية ، والاستحالة المنطقية ، ومقصودنا من الاستحالة ، الفلسفية ، هو ما يحكم العقل باستحالته ، باعتبار برهان أو بداهة ، دون أن يكون ذلك من باب التناقض ، فمثلا يستحيل فلسفيا انفصال العلة عن معلولها ، فلا يصح القول بأن النار موجودة ، ولكن الحرارة غير موجودة ، باعتبار ما ثبت بالبرهان من أن النار علة للحرارة ، والعلة يستحيل فلسفيا انفصالها عن معلولها ، ولا يستحيل ذلك منطقيا من باب التناقض ، إذ لا تناقض في قولنا النار موجودة ، ولكن الحرارة غير موجودة ، ومقصودنا من الاستحالة المنطقية ، هو ما يحكم العقل باستحالته من باب التناقض ، مثلا أن يكون «زيد» «لا زيد» ، فهذا مستحيل منطقيا باعتبار التناقض ، وحينئذ نقول ، أن استحالة التفكيك بين المبدأ والذات لها نحوان.
فتارة تكون استحالة منطقية من باب التناقض كما هو الحال فيما إذا كان المبدأ ذاتيا ، سواء كان جنسا أو نوعا أو فصلا ، فإن فرض زواله مع فرض بقاء الذات تناقض ، إذ زوال الحيوانية مع بقاء الحيوان ، وزوال الشجرية مع بقاء الشجر ، هذا مستحيل منطقيا لأنه تناقض.
وأخرى تكون استحالة فلسفية لا منطقية ، كما هو الحال فيما إذا كان المبدأ لازما للذات ، فإن فرض زواله مع بقاء الذات ليس تناقضا ، بل مستحيل عقليا فلسفيا ، ففي قولنا ، «الله واجب» يستحيل أن يرتفع الوجوب مع بقاء الذات ، لأنه لازم لها ولكن هذه الاستحالة فلسفية لا منطقية ، إذ لا تناقض في قولنا ، الذات ثابتة ، ولكن الوجوب غير ثابت ، لأن أحدهما غير الآخر.
وإذا اتضح ذلك نقول ، بأن الركن الثاني الذي به يتم ملاك النزاع ، هو أن لا يكون ارتفاع المبدأ مع بقاء الذات مستحيلا استحالة منطقية ، وحينئذ