المصدر والمشتق ، إذن لا يتعقل كونه ممّا يحمل تارة وممّا لا يحمل أخرى.
وهذا الاعتراض لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن أصحابه مضطرون أخيرا إلى الاعتراف بإمكان تصوير مفهوم واحد محفوظ في كلتا الحالتين ، ويصح حمله تارة وبلحاظ ، ولا يصح حمله تارة أخرى وبلحاظ آخر ، هذا المطلب ممّا يضطرهم أخيرا للاعتراف بإمكانه ووقوعه ، وذلك : بإن ننقل الكلام من المشتقات ومصادرها الحقيقية إلى المشتقات ومصادرها الجعلية فنأتي إلى نفس «مفهوم شيء» الذي طعّم به المشتق ، فقالوا بأن «عالم» إنما صح حمله على الذات ، لأنه طعّم بالشيء ، فكأن مدلول «عالم» شيء له الحدث لا ذات الحدث ، فنقول بأن «شيء» ، بنفسه مشتق له مصدر جعلي ، وهو «الشيئية» ، فيقال مثلا ـ «شيء وشيئية» و «ذات وذاتية» و «إنسان وإنسانية» ـ ، ولا إشكال بإن شيء يحمل على زيد فيقال «زيد شيء» ، ولكن الشيئية لا تحمل على زيد فلا يقال «زيد شيئية» ، إذن «فشيء» الذي هو مشتق يصح حمله على الذات ، وشيئية التي هي المصدر الجعلي لشيء ، لا يصح حملها على الذات ، وحينئذ نسأل أصحاب الاعتراض ، بأن «شيء وشيئية» ، هل كلاهما يحتفظان بمفهوم واحد؟. أو أن «شيء» طعّم بشيء آخر وراء الشيئية؟.
فإن قيل بأن «شيء مع الشيئية» ، «كعالم» مع «علم» ، فكما أن «عالم» طعّم بمعنى إضافي زائد على العلم وهو شيء ، فكذلك شيء طعّم بمعنى آخر زائد على الشيئية! ، إذن فما هو هذا المعنى الزائد؟. فهل هو نفس مفهوم الشيء؟. إذن ، فالكلام في نفس الشيء لأنه شيء له الشيئية ، وهذا غير معقول ، لأن معناه أخذ العرض في موضوعه ، فلا بدّ من فرض شيء أعم من الشيئية حتى يطعّم به مفهوم «شيء» ، ولا يتصور ما هو أعم من مفهوم شيئية ، إذن فكون شيء مطعّم بمفهوم ، بحيث تكون نسبته إلى الشيئية نسبة الشيء إلى العلم ، فهذا غير معقول ، وإذا لم يكن هناك تطعيم ، إذن فقد ثبت أن الشيء والشيئية لهما مفهوم وحداني محفوظ في شيء وشيئية معا ، ومع هذا يصح حمل شيء على الذات ولا يصح حمل الشيئية عليها.