الحاجة إلى علم الرّجال أساسيّة ، فلا مناص حينئذ للفقيه في كلّ خبر يفتي بواسطته عن استعلام أحوال الرّواة من حيث الوثاقة والضعف.
وأمّا لو قلنا بأنّ الملاك هو الوثوق بالصّدور والاطمئنان به ، فبما أنّ إحراز وثاقة الرّاوي إحدى الطرق إلى تحصيل الاطمئنان بالصّدور ، فلا غنى للفقيه عنه ، ولا ينفعه القول بأن الشهرة العمليّة جابرة لضعف الرّواية والاعراض موهن لها ومسقط لها عن الحجّية وذلك لأنّ مواضع الشهرة الجابرة قليلة إذ المراد بها هو عمل قدماء الأصحاب بالرّواية في عصر الصّادقين وبعدهما ، كعصر الغيبة الصّغرى وأوائل الغيبة الكبرى إلى عصر المحقّق (الحلي) (رضي الله عنه). وفيما لا شهرة فيه ولا إعراض لا تقلّ حاجة الفقيه إلى علم الرّجال من حاجته على القول المتقدّم ، والحاصل أنّ الشهرة العمليّة وإن كانت جابرة والاعراض وإن كان موهناً ، إلّا أنّ مواردهما ـ كما ذكرنا ـ قليلة ، فلا غنى للفقيه عن علم الرّجال في غير تلك الموارد.
ثمّ الأولى عدم الاكتفاء في توثيق الرّواة بما ورثناه عن المشايخ كالبرقيّ والكشيّ وابن الغضائريّ والنّجاشي والشيخ الطوسي ، كما عليه المحقّق الخوئيّ (رضي الله عنه) بل يجب التعرّف على أحوال الرّواة عن كثب حتّى نعرف مقدار صلته بالرواية وبالمشايخ ، وعناية الرّواة بالرّواية والإمعان في متون رواياته من حيث الاتفاق وعدمه ووجود مضمونها في سائر الرّوايات ، وحينئذ تتجلى وثاقة الرّاوي أو عدمها ولو ضمّ المحصل مع بقيّة القرائن والشواهد لأصبح حال الرّجال كفلق الصبح وهذا النّوع والأسلوب من التحقيق لا يقوم به إلّا الأمثل فالأمثل من أهل العلم والفقه ، وكان سيّدنا المحقّق البروجردي (رضي الله عنه) فارس هذا الميدان وبطله الباسل.
الخامس : معرفة الكتاب والسنّة إذ عليهما تدور رحى الاستنباط ، نعم قلّت عناية الفقهاء بالإمعان في الآيات واستخراج نكاتها ، إلّا أنّه ظلم بأحد الثقلين