اللّذين تركهما النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الأُمّة ، فيجب على الفقيه الإمعان في مفاد الآية أوّلاً ثمّ الرّجوع إلى الرّوايات الواردة حولها ، ولا تجب معرفة القرآن الكريم بتمامه ، بل يكفي فيه معرفة آيات الأحكام التي اختلفت الأقوال في عدّها من ثلاثمائة آية إلى خمسمائة أو تسعمائة آية (١).
هذا وإنّ الاختلاف في عدد آيات الأحكام راجع إلى كون الملاك فيها ، هل هو خصوص الدلالة المطابقية أو الأعمّ منها والدّلالة الالتزاميّة؟ فعلى الأوّل لا يتجاوز عددها عن الثلاثمائة آية مثل قوله سبحانه : (... فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ...) (البقرة ـ ١٩٦). وعلى الثاني ربّما يتجاوز عددها عمّا ذكر ، فالفقهاء استنبطوا أحكاماً عديدة من قوله سبحانه : (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ* قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) (القصص ـ ٢٧ و ٢٨).
وقد سمعنا عن بعض مشايخنا أنّ بعض الفقهاء استنبط من سورة المسد (رقم ـ ١١١ ـ مكية) أربعة وعشرين حكماً شرعيّاً ، بل قال بعضهم : (٢) ليس في القرآن آية إلّا وهي مصدر حكم شرعي ـ ولعلّه إغراق.
السادس : معرفة المذاهب الفقهيّة الرّائجة في عصر الأئمّة (عليهمالسلام) التي كان عمل القضاة عليها ، والنّاس يرجعون إليها ، فإنّ في معرفة تلك المذاهب تمييز
__________________
(١) قال الغزالي وغيره : إنّها خمسمائة آية ، ونقل عن عبد الله ابن المبارك أنّ عددها تسعمائة آية ، وقيل : أكثر من ذلك. (الاجتهاد في الإسلام : ٦٦ ، د. نادية العمري).
(٢) قال نجم الدّين الطوفي : وقلّما يوجد في القرآن الكريم آية لا يستنبط منها شيء من الأحكام. وقال أحمد بن إدريس القرافيّ المالكيّ : «استنباط الأحكام إذا حقّق لا يكاد تعرى عنه آية. (الاجتهاد في الإسلام : ٦٧ ، د. نادية العمري).