ثمّ إنّ الخصوصيات ـ المؤثرة في الحكم تارة تؤثّر في مقام الإفتاء وأُخرى في مقام حكم الحاكم الإسلامي من جهة الولاية ، فعلى الخبير عدم الخلط بينهما ، وإليك بعض الأمثلة من كلا القسمين ـ على أقسام :
الأوّل : أن تقع علّة للحكم ومناطاً له ، كعدم الانتفاع بالدم ونحوه ، فقد ذكر الشيخ الأعظم الأنصاري (رضي الله عنه) أنّه لا خلاف في حرمة بيع الدم ، وذلك لعدم الانتفاع به انتفاعاً محلّلاً (١) ، فلم يكن الغرض من البيع يوم ذاك إلا الأكل وهو محرّم لنجاسته ولو افترضنا تغيّر علّة الحكم ومناطه بأن صار الدّم ذا منفعة محلّلة شائعة ، وبها قامت رحى الحياة في المصدومين والمجروحين ومن تجرى في حقّه الجراحة الطبيّة ، إذ لو لا التزريق بالدم لما نجا كثير منهم ، حينئذ يتبدّل الحكمُ لتبدّل مناطه وغايته اللّذين هما قيد الموضوع. فالظّروف الحديثة غيّرت الحكم الشرعيّ بتغير موضوعه ، وصار الدم غير المنتفع به إلّا في الجهة المحرّمة منتفعاً به في الجهة المحلّلة الشائعة لا النّادرة ، وبذلك يدخل بعض ما كان يعدّ من المكاسب المحرّمة في عداد المحلّلة ، فلو قيل : إنّ لعنصر الزمان تأثيراً في الاجتهاد ، يعنى به التأثير في تشخيص الصغرى وبقائها على ما كانت عليه أو تغييرها عمّا كانت عليه ، قال السيّد الأُستاذ : «لم يكن في تلك الأعصار للدم نفع غير الأكل فالتحريم منصرف إليه» (٢).
__________________
(١) كلام الشيخ الأعظم (رضي الله عنه) في مكاسبه حول التعليل المذكور في المتن مختص بالدم الطاهر حيث قال (رضي الله عنه) : وأمّا الدم الطاهر إذا فرضت له منفعة محللة ... وقال (رضي الله عنه): «وصرّح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر لاستخباثه ، ولعلّه لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الأكل المحرّم. فإنّه قد فصّل بين الدم الطاهر والنجس وحكم (رضي الله عنه) في الثاني بحرمة المعاوضة عليه مطلقاً للإجماع والأخبار المتقدّمة. هذا وفي التذكرة : يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصلية ، ولو باع نجس العين لم يصحّ إجماعاً.
(١ / ٣ من البيع).
(٢) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني (قدّه) : ١ / ٣٨.