نون ـ وكان ابن أخت موسى ووصيه بعد موته ـ وهو الذي فتح الأرض المقدسة ـ بعد انقضاء مدة التيه وقيل بل بقي موسى بعد ذلك وخرج من التيه وحارب الجبارين وقهرهم وأخذ الأرض المقدسة» (١).
هذا ونرى من المناسب في هذا المقام أن نتعرض بشيء من التفصيل للمسائل الآتية :
أولا : الرد على اليهود في دعواهم أن الأرض المقدسة ـ فلسطين ـ ملك لهم مستندين إلى قوله ـ تعالى ـ : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ثانيا : الحكمة في كون عقابهم أربعين سنة يتيهون في الأرض.
ثالثا : ما يؤخذ من هذه الآيات من العبر والعظات.
وللإجابة على المسألة الأولى نقول : للمفسرين أقوال في المراد من الكتابة في قوله ـ تعالى ـ (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أشهرها قولان :
أولهما : أن معنى (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) : أمركم بدخولها ، وفرضه عليكم كما أمركم بالصلاة والزكاة فالكتب هنا مثله في قوله ـ تعالى ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) : أى : فرض عليكم وهذا قول قتادة والسدى والثاني : أن معنى (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) قدرها لكم وقضى أن تكون مساكن لكم دون الجبارين. وهذا القضاء مشروط بالإيمان ، وطاعة الأنبياء ، والجهاد في سبيل نصرة الحق ، فإذا لم يكونوا كذلك ـ وهم لم يكونوا كذلك فعلا ـ لم يتحقق لهم التمكين في الأرض المقدسة ، ولذا بعد أن أغراهم نبيهم موسى ـ عليهالسلام ـ بدخولها ، حذرهم من الجبن والعصيان فقال لهم : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ).
قال الآلوسى : «وترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الإيمان قطعا» (٢).
وقال ابن عباس : كانت هبة من الله لهم ثم حرمها ـ سبحانه ـ عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم.
وقال الفخر الرازي : إن الوعد بقوله (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) مشروط بقيد الطاعة فلما لم يوجد الشرط لا جرم لم يوجد المشروط» (٣).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١٩٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٠٦
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١٩٧