على طريقة آبائهم المعوجة ، حتى لا يعرضوا أنفسهم للعقوبات التي حلت بأسلافهم.
قال الإمام ابن جرير : عند تفسيره للآيات الكريمة : وهذا ـ أيضا ـ من الله ـ تعالى تعريف ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم بتمادي هؤلاء اليهود في الغي ، وبعدهم عن الحق ، وسوء اختيارهم لأنفسهم ، وشدة خلافهم لأنبيائهم وبطء إثابتهم إلى الرشاد ، مع كثرة نعم الله عندهم ، وتتابع آياته وآلائه عليهم ، مسليا بذلك نبيه صلىاللهعليهوسلم عما ينزل به من مجادلاتهم في ذات الله ، يقول الله ـ له : لا تأس على ما أصابك منهم ، فإن الذهاب عن الله ، والبعد عن الحق ، وما فيه من الحظ لهم في الدنيا والآخرة ، من عاداتهم وعادات أسلافهم ، وأوائلهم ، وتعزّ بما لاقى منهم أخوك موسى ـ عليهالسلام ـ (١).
وقال الإمام ابن كثير : وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود ، وبيان فضائحهم ، ومخالفتهم لله ولرسوله ، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمرهم به من الجهاد ، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم ، مع أن بين أظهرهم كليم الله وصفيه من خلقه في ذلك الزمان. وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم. هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من الغرق له ولجنوده في اليم وهم ينظرون. لتقر به أعينهم ـ وما بالعهد من قدم ـ ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازن عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم. وظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ، ولا يسترها الذيل.
وقال ـ رحمهالله ـ قبل ذلك : وما أحسن ما أجاب به الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ يوم بدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين استشارهم في قتال قريش. فقد قالوا فأحسنوا.
لقد قال المقداد : يا رسول الله ، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ؛ (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ولكن نقول لك : «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون» (٢) كذلك يؤخذ من هذه القصة أن معصية الله ورسله تؤدى إلى الخسران ، فإن بنى إسرائيل لما جبنوا عن دخول الأرض المقدسة ، وعصوا أمر نبيهم ، عاقبهم الله بالتيه مدة أربعين سنة ، صارت قصتهم عبرة للمعتبرين ، وموعظة للمتقين.
وبعد أن ساق ـ سبحانه ـ جوانب متعددة من أحوال أهل الكتاب وما جبلوا عليه من أخلاق سيئة ، أتبع ذلك بقصة ابني آدم ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ١٦٨
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٩ بتصرف وتلخيص.