عصيانه سبيلهم. فكانت نتيجة ذلك أن عاقبهم الله ـ تعالى ـ بالتيه. (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).
ـ ثم نراها بعد ذلك في الربع الثالث (١) تحكى لنا قصة ابني آدم بأسلوب مؤثر : تحكى لنا قصة أول جريمة وقعت على ظهر الأرض بسبب الحسد. وتحكى لنا تلك المحاورات التي دارت بين الأخوين : القاتل والقتيل.
وكيف أن القاتل قد تحير في مواراة جثة أخيه ، إلى أن تعلم كيفية مواراتها من غراب أخذ يبحث في الأرض ليواري جثة غراب مثله.
وإذا كان الحسد حتى في العبادات يؤدى إلى القتل وسفك الدماء ، فقد شرع الله القصاص لحماية الأنفس والأموال والأعراض. فقد ذكر ـ سبحانه ـ بعد ذلك جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا. وجزاء السارق والسارقة. وجزاء الذين كفروا بالحق بعد أن جاءهم من عند الله.
وخلال ذلك أمر ـ سبحانه ـ عباده المؤمنين بتقوى الله. وبالتقرب إليه بالعمل الصالح ، وبمداومة الجهاد في سبيل الله ، حتى ينالوا الفلاح في الدنيا والآخرة.
ـ وبعد هذه التشريعات الحكيمة ، نراها في الربع الرابع (٢) تحكى لنا بعض الوسائل الخبيثة التي اتبعها اليهود في محاربتهم للدعوة الإسلامية فذكرت بعض أقوالهم التي كانوا يقولونها عند ما يأتون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ليتحاكموا إليه في منازعاتهم (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) ووصفتهم بأنهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ).
وأرشدت الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم إلى طريقة التعامل معهم (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ. وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً. وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
ثم بعد أن مدحت التوراة ، ووصفت الذين لم يحكموا بما أنزل الله بالكفر. والظلم. بعد كل ذلك نوهت بشأن عيسى ـ عليهالسلام ـ وبشأن الإنجيل ، وأمرت أهله بأن يحكموا بما أنزل الله فيه.
قال : تعالى ـ (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
__________________
(١) الآيات من ٢٧ ـ ٤٠
(٢) الآيات من ٤١ ـ ٥٠