بالوفاء بالعهود ، وبالتزام التكاليف التي كلفهم الله بها ، ثم أردفت ذلك ببيان الحلال من الذبائح والحرام منها ، ثم بيان حكم طعام أهل الكتاب ، وحكم الزواج بالكتابيات.
وبعد أن تكلمت عن المباحات التي يحتاج إليها الجسد أتبعت ذلك بالحديث عن الصلاة التي هي غذاء الروح ، فأمرت المؤمنين بأن يدخلوها متطهرين ، ووضحت لهم أنه ـ سبحانه ـ لا يريد من وراء ما يشرعه لهم الضيق أو الحرج وإنما يريد لهم الخير والطهر وإتمام النعمة : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ثم أمرت المؤمنين بالتزام العدل مع الأصدقاء. ومع الأعداء ، ووعدت المطيعين لله ـ تعالى ـ بالمغفرة والأجر العظيم ، وتوعدت الكافرين بآيات الله بعذاب الجحيم ، ثم ذكرت المؤمنين بجانب من مظاهر فضل الله عليهم ورحمته بهم ، حيث كف أيدى المعتدين عنهم. وحماهم من مكرهم. قال ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ ، وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١).
ـ ثم نراها في الربع الثاني (٢) منها تحكى لنا جانبا من رذائل أهل الكتاب. فتبين كيف أن الله ـ تعالى ـ أخذ عليهم العهد والميثاق بأن يؤمنوا به ويطيعوه ولكنهم نقضوا عهودهم ، فكانت نتيجة ذلك أن لعنهم الله ، وأن أدام بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة.
ثم وجهت نداء إلى أهل الكتاب أرشدتهم فيه إلى طريق الحق ، وأمرتهم باتباعه. ووبخت الذين قالوا (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ). وحكت جانبا من الدعاوى الباطلة التي ادعاها اليهود والنصارى ، حيث قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
ثم وجهت نداء ثانيا إلى أهل الكتاب أمرتهم فيه باتباع محمد صلىاللهعليهوسلم لأنهم بسبب عدم اتباعه سيكون مصيرهم إلى النار ، ولن يقبل الله منهم عذرا بعد أن أرسل إليهم ـ سبحانه ـ من يبشرهم وينذرهم.
قال تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ثم حكت السورة الكريمة قصة من قصص موسى ـ عليهالسلام ـ مع بنى إسرائيل.
فقد ساقت بأسلوبها البليغ إغراءه لهم بدخول الأرض المقدسة ، ولكنهم جبنوا واتخذوا
__________________
(١) الآيات من ١ ـ ١١
(٢) الآيات من ١٢ ـ ٢٦