التي تفسد المجتمع. فإذا كانت عصابة تعمل لجمع الرجال على النساء وتخطف النساء لذلك الغرض ، أو كانت عصابة لتجميع المواد المخدرة المحرم دينا وقانونا تناولها ، فإنهم يكونون كقطاع الطريق ، ويدخلون في باب الحرابة (١).
٣ ـ تدل الآية بظاهرها على أن المحاربين يعاقبون في الدنيا والآخرة ، ولا يكون العقاب الدنيوي طهرة لهم ولو كانوا مسلمين لقوله ـ تعالى ـ (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
قال القرطبي : فقوله : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) لشناعة المحاربة ، وعظم ضررها وإنما كانت المحاربة عظيمة الضرر ، لأن فيها سد سبيل الكسب على الناس. لأنه إذا أخيف الطريق انقطع الناس عن السفر ، واحتاجوا إلى لزوم البيوت ، فانسد باب التجارة عليهم ، وانقطعت أكسابهم ، فشرع الله على قطاع الطريق الحدود المغلظة ، وذلك الخزي في الدنيا ردعا لهم عن سوء فعلهم ، وفتحا لباب التجارة التي أباحها الله لعباده. وتكون هذه المعصية خارجة عن المعاصي ومستثناة من حديث عبادة بن الصامت في قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له».
ويحتمل أن يكون الخزي لمن عوقب ، وعذاب الآخرة لمن سلم في الدنيا ، ويجرى هذا الذنب مجرى غيره. ولا خلود لمؤمن في النار على ما تقدم ، ولكن يعظم عقابه لعظم ذنبه ، ثم يخرج إما بالشفاعة وإما بالقبضة وهذا الوعيد كغيره مقيد بالمشيئة ، وله ـ تعالى ـ أن يغفر هذا الذنب» (٢).
٤ ـ دل قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) على أن توبة المحاربين قبل الظفر بهم ، تسقط عنهم حد المحاربين المذكور في الآية ، إلا أن كثيرا من الفقهاء قالوا إن الذي يسقط عنهم هو ما يتعلق بحقوق الله ، أما ما يتعلق بحقوق العباد فلا يسقط عنهم بالتوبة قبل القدرة عليهم.
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) : استثنى ـ جل شأنه ـ التائبين قبل أن يقدر عليهم ، وأخبر بسقوط حقه عنهم بقوله : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). أما القصاص وحقوق الآدميين فلا تسقط ، وظاهر الآية أن من تاب بعد القدرة عليه فتوبته لا تنفع ، وتقام الحدود عليه كما تقدم» (٣).
__________________
(١) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. مجلة لواء الإسلام العدد السابع. السنة العشرون.
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٥٧.
(٣) تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٨٥.