الطاعات ، واجتناب المعاصي ، مأخوذة من وسل إلى كذا ، أى. تقرب إليه بشيء. وقيل : الوسيلة الحاجة.
قال الراغب : الوسيلة : التوصل إلى الشيء برغبة ، وهي أخص من الوصيلة ، لتضمنها معنى الرغبة ، وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرى مكارم الشريعة ، وهي كالقربة. والواسل : الراغب إلى الله ـ تعالى ... (١).
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم (اتَّقُوا اللهَ) أى : خافوه وصونوا أنفسكم عن كل ما لا يرضيه (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : أى : اطلبوا باجتهاد ونشاط الزلفى والقربى إليه عن طريق مداومتكم على فعل الطاعات ، والتزود من الأعمال الصالحات ، واجتناب المعاصي والمنكرات.
(وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أى : وجاهدوا أنفسكم بكفها عن الأهواء ، وكذلك جاهدوا أعداءكم حتى تكون كلمة الله هي العليا ، رجاء أن تفوزوا بالفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة. وقد ناداهم ـ سبحانه ـ بصفة الإيمان ، لتحريك حرارة العقيدة في قلوبهم وتوجيه عقولهم إلى ما يستدعيه الإيمان من طاعة وإخلاص.
وقوله : (إِلَيْهِ) متعلق بالفعل قبله وهو (وَابْتَغُوا). أو بلفظ (الْوَسِيلَةَ) لأنها بمعنى المتوسل به ، وقدم الجار والمجرور لإفادة التخصيص.
أى. اطلبوا برغبة وشدة ما يقربكم إلى الله من الأعمال الصالحة ، ولا تتقربوا إلى غيره إلا في ظل طلب رضاه ـ سبحانه ـ.
أو : اطلبوا متوجهين إليه ـ سبحانه ـ حاجتكم ، فإن بيده مقاليد السموات والأرض ، ولا تطلبوها متوجهين إلى غيره.
وقد جاء لفظ الوسيلة في الأحاديث النبوية على أنه اسم لأعلى الدرجات في الجنة ، وهذا المعنى متلاق مع أصل المعنى ، وهو التقرب إلى الله والتوسل إليه وحده بالطاعات ، لأن من يفعل ذلك ينال من الله ـ تعالى ـ أسمى الدرجات.
وقد ساق الامام ابن كثير جملة من الأحاديث في هذا المعنى فقال ما ملخصه :
والوسيلة : القربة. كذا قال ابن عباس ومجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وغير واحد.
قال قتادة : أى تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.
والوسيلة أيضا : علم على أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وداره في الجنة ،
__________________
(١) المرادات في غريب القرآن ص ٥٢٣.