قال الجمل ما ملخصه : قوله ـ تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) .. إلخ. شروع في بيان حكم السرقة الصغرى بعد بيان أحكام الكبرى.
وقرأ الجمهور : والسارق بالرفع وفيها وجهان :
أحدهما : وهو مذهب سيبويه والمشهور من أقوال البصريين ـ أن السارق مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير : فيما يتلى عليكم أو فيما فرض عليكم السارق والسارقة. أى : حكم السارق ، ويكون قوله (فَاقْطَعُوا) بيانا لذلك الحكم المقدر. فما بعد الفاء مرتبط بما قبلها ، ولذلك أتى بها فيه لأنه هو المقصود. ولو لم يؤت بالفاء لتوهم أنه أجنبى ، والكلام على هذا جملتان : الأولى خبرية والثانية أمرية.
والثاني : وهو مذهب الأخفش وجماعة كثيرة ـ أنه مبتدأ ـ أيضا ـ والخبر الجملة الأمرية من قوله (فَاقْطَعُوا) وإنما دخلت الفاء في الخبر ، لأنه يشبه الشرط إذ الألف واللام فيه موصولة بمعنى الذي والتي والصفة صلتها ، فهي في قوة قولك والذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا» (١).
والمعنى : (السَّارِقُ) أى : من الرجال (وَالسَّارِقَةُ) أى : من النساء (فَاقْطَعُوا) أيديهما ، أى فاقطعوا يد كل منهما الذكر إذا سرق قطعت يده. والأنثى إذا سرقت قطعت يدها.
والخطاب في قوله : (فَاقْطَعُوا) لولاة الأمر الذين إليهم يرجع تنفيذ الحدود وجمع ـ سبحانه ـ اليد فقال «أيديهما» ولم يقل يديهما بالتثنية ، لأن فصحاء العرب يستثقلون إضافة المثنى إلى ضمير التثنية.
وقوله (جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) بيان لسبب هذه العقوبة وللحكمة التي من أجلها شرعت. أى : اقطعوا أيديهما جزاء لهما بسبب فعلهما الخبيث ، وكسبهما السيئ ، وخيانتهما القبيحة ، ولكي يكون هذا القطع لأيديهما (نَكالاً) أى : عبرة وزجرا من الله ـ تعالى ـ لغيرهما حتى يكف الناس عن ارتكاب هذه الجريمة.
يقال : نكل فلان بفلان تنكيلا : أى : صنع به صنيعا يحذر غيره.
والاسم النكال وهو ما نكلت به غيرك. وأصله من النكل ـ بالكسر ـ وهو القيد الشديد ، وحديدة اللجام ، لكونهما مانعين وجمعه أنكال.
وسميت هذه العقوبة نكالا ، لأنها تجعل غير من نزلت به يخاف من ارتكابها حتى لا ينزل به ما نزل بمرتكبها من قطع ليده ، وفضيحة لأمره.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤٨٨