فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٤٥)
فقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) بيان لشرف التوراة قبل أن تمتد إليها الأيدى الأثيمة بالتحريف والتبديل. ويدل على شرفها وعلو مقامها أن الله ـ تعالى ـ هو الذي أنزلها لا غيره ، وأنه ـ سبحانه ـ جعلها مشتملة على الهدى والنور. والمراد بالهدى ، ما اشتملت عليه من بيان للأحكام والتكاليف والشرائع التي تهدى الناس إلى طريق السعادة.
والمراد بالنور : ما اشتملت عليه من بيان للعقائد السليمة ، والمواعظ الحكيمة ، والأخلاق القويمة.
والمعنى إنا أنزلنا التوراة على نبينا موسى ـ عليهالسلام ـ مشتملة على ما يهدى الناس إلى الحق من أحكام وتكاليف وعلى ما يضيء لهم حياتهم من عقائد ومواعظ وأخلاق فاضلة.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض الوظائف التي جعلها للتوراة فقال : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ).
والمراد بقوله : (النَّبِيُّونَ) من بعثهم الله في بنى إسرائيل من بعد موسى لإقامة التوراة.
وقوله : الذين أسلموا صفة للنبيين. أى : أسلموا وجوههم لله وأخلصوا له العبادة والطاعة.
وعن الحسن والزهري وقتادة : يحتمل أن يكون المراد بالنبيين الذين أسلموا محمدا صلىاللهعليهوسلم وذلك لأنه حكم على اليهوديين الذين زنيا بالرجم ، وكان هذا حكم التوراة. وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيما له.
وقال ابن الأنبارى : هذا رد على اليهود والنصارى لأن بعضهم كانوا يقولون : الأنبياء كلهم يهود أو نصارى ـ فقال ـ تعالى ـ (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) يعنى أن الأنبياء ما كانوا موصوفين باليهودية أو النصرانية ، بل كانوا مسلمين لله منقادين لتكاليفة» (١).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٣ ـ طبعة عبد الرحمن محمد