قال ابن كثير : هذه الآية مما وبخت به اليهود أيضا وقرعت عليه ، فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس. وقد خالفوا حكم ذلك عمدا وعنادا فأقادوا النضري من القرظي ، ولم يقيدوا القرظي من النضري وعدلوا إلى الدية ، كما خالفوا حكم التوراة في رجم الزاني المحصن ، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار. ولهذا قال هناك (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا. وقال هنا في تتمة الآية (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه ، فخانوا وظلموا وتعدى بعضهم على بعض.
ثم قال : واستدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا بهذه الآية. وذلك إذا حكى مقررا ولم ينسخ. والحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة. وقال الحسن البصري : هي عليهم وعلى الناس عامة» (١).
٢ ـ استدل جمهور الفقهاء بعموم هذه الآية على أن الرجل يقتل بالمرأة. ويؤيد ذلك ما رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم : أن الرجل يقتل بالمرأة .. وفي رواية للإمام أحمد أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها ، بل تجب ديتها (٢).
قال الآلوسى : واستدل بعموم (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) من قال : يقتل المسلم بالكافر ، والحر بالعبد ، والرجل بالمرأة ومن خالف استدل بقوله ـ تعالى :
(الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) وبقوله صلىاللهعليهوسلم «لا يقتل مؤمن بكافر».
وأجاب بعض أصحابنا بأن النص تخصيص بالذكر فلا يدل على نفى ما عداه. والمراد بما روى في الحديث الكافر الحربي وقد روى أنه صلىاللهعليهوسلم قتل مسلما بذمي» (٣).
٣ ـ استدل العلماء بجريان القصاص في الأطراف لقوله ـ تعالى ـ (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) إلخ. إلا أنهم قالوا بوجوب استيفاء ما يماثل فعل الجاني بدون تعد أو ظلم فتؤخذ العين اليمنى باليمنى عند وجودها ، ولا تؤخذ اليسرى باليمنى.
وقالوا : إنما تؤخذ العين بالعين إذا فقأها الجاني متعمدا. فإن أصابها خطأ ففيها نصف الدية : إن أصاب العينين معا خطأ ففيهما الدية كاملة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٦١ بتصرف يسير.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٦١ بتصرف يسير.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١١٨