ويرى بعضهم أن في عين الأعور الدية كاملة لأن منفعته بها كمنفعة ذي عينين أو قريبة منها.
وقد توسع الإمام القرطبي في بسط هذه المسائل فارجع إليه إن شئت (١).
٤ ـ أخذ العلماء من هذه الآية أن الله ـ تعالى ـ رغب في العفو ، وحض عليه ، وأجزل المثوبة لمن يقوم به فقد قال ـ تعالى ـ (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ). أى : فمن تصدق بما ثبت له من حق القصاص فتصدقه كفارة لذنوبه.
وقد وردت في الحض على العفو نصوص كثيرة ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٢) وقوله ـ تعالى ـ (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٣).
وروى الإمام أحمد عن الشعبي أن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما من رجل يجرح في جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به» (٤).
وروى ابن جرير عن أبى السفر قال : دفع رجل من قريش رجلا من الأنصار ، فاندقت ثنيته. فرفعه الأنصارى إلى معاوية. فلما ألح عليه الرجل قال معاوية : شأنك وصاحبك. قال : وأبو الدرداء عند معاوية. فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما من مسلم يصاب بشيء من جسده ، فيهبه إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة». فقال الأنصارى : أنت سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : سمعته أذناى ووعاه قلبي ـ فخلى سبيل القرشي. فقال معاوية : «مروا له بمال» (٥) ومن هذه الآية وغيرها نرى أن الإسلام قد جمع فيما شرع من عقوبات بين العدل والرحمة فقد شرع القصاص زجرا للمعتدى. وإشعارا له بأن سوط العقاب مسلط عليه إذا ما تجاوز حده ، جبرا لخاطر المعتدى عليه ، وتمكينا له من أخذ حقه ممن اعتدى عليه.
ومع هذا التمكين التام للمجنى عليه من الجاني فقد رغب الإسلام المجنى عليه في العفو عن الجاني حتى تشيع المحبة والمودة بين أفراد الأمة ، ووعده على ذلك بتكفير خطاياه ، وارتفاع درجاته عند الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٩١ ـ ٢٠٩
(٢) سورة الشورى الآية ٤٠
(٣) سورة آل عمران الآية ١٣٤
(٤) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٦٤.
(٥) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ٢٦٠