والتحلي بمكارم الأخلاق ، فلا يتعلق به اختلاف في أى شريعة من الشرائع ، أو أى دين من الأديان.
وقد تكلم عن هذا المعنى الإمام ابن كثير فقال : قوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد. كما ثبت في صحيح البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ـ أمهاتهم شتى ـ ودينهم واحد» يعنى بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله ، وضمنه كل كتاب أنزله ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (١). وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى. كما قال ـ تعالى ـ في شأن شريعة عيسى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) وبالعكس ، قد يكون الشيء حلالا في هذه الشريعة ثم يحرم في شريعة أخرى ، فيزداد في الشدة في هذه دون هذه ، وذلك لما له ـ تعالى ـ في ذلك من الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة» (٢).
وقال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) الخطاب فيه ـ كما قال جماعة من المفسرين ـ للناس كافة الموجودين والماضين بطريق التغليب. واستدل بالآية من ذهب إلى أننا غير متعبدين بشرائع من قبلنا ، لأن الخطاب يعم الأمم ، واللام للاختصاص فيكون لكل أمة دين يخصها.
والتحقيق في هذا المقام أننا متعبدون بأحكام الشرائع السابقة من حيث إنها أحكام شريعتنا لا من حيث إنها شريعة للأولين» (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر قدرته ، وبالغ حكمته فقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ).
ومفعول المشيئة هنا محذوف لدلالة الجزاء عليه.
وقوله : (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) متعلق بمحذوف يستدعيه المقام.
والابتلاء : الاختبار والامتحان ليميز المطيع من العاصي.
والمعنى : لو شاء الله ـ تعالى ـ أن يجعل الأمم جميعا أمة واحدة تدين بدين واحد وبشريعة
__________________
(١) سورة الأنبياء آية ٢٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٦٧
(٣) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٥٤.