أى : لا أحد أحسن حكما من حكم الله ـ تعالى ـ عند قوم يوقنون بصحة دينه ، ويذعنون لتكاليف شريعته ، ويقرون بوحدانيته ، ويتبعون أنبياءه ورسله.
فاللام في قوله : (لِقَوْمٍ) بمعنى عند ، وهي متعلقة بأحسن ، ومفعول (يُوقِنُونَ) محذوف أى لقوم يوقنون بحكمه وأنه أعدل الأحكام. والجملة حالية متضمنة لمعنى الإنكار السابق.
وخص ـ سبحانه ـ الموقنين بالذكر ، لأنهم هم الذين يحسنون التدبر فيما شرعه الله من أحكام ، وينتفعون بما اشتملت عليه من عدل ومساواة.
هذا ، وقد شدد الإمام ابن كثير النكير على الذي يرغبون عن حكم الله إلى أحكام من عند البشر ، ووصف من يفعل ذلك بالكفر ، وأفتى بوجوب مقاتلته حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فقال ـ رحمهالله ـ :
«ينكر ـ تعالى ـ على من خرج عن حكم الله ـ المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر ـ وعدل عنه إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات.
مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم «جنكزخان» الذي وضع لهم «الباسق» وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى. فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله ، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير.
قال ـ تعالى ـ (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أى : ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن. وعلم أنه ـ سبحانه ـ أحكم الحاكمين ، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها؟ فإنه ـ تعالى ـ هو العالم بكل شيء ، والقادر على كل شيء ، والعادل في كل شيء.
روى الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبغض الناس إلى الله ـ تعالى ـ من يبتغى في الإسلام سنة الجاهلين ومن طلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه (١).
وإلى هنا نرى الآيات الكريمة قد كشفت «باستفاضة» عن المسالك الخبيثة التي سلكها اليهود وأشباههم لكيد الإسلام والمسلمين.
فأنت تراها في مطلعها قد نادت الرسول صلىاللهعليهوسلم بهذا النداء وأمرته بعدم المبالاة بما يصدر عن
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٦٧ ـ بتصرف وتلخيص ـ