الفيض ـ أو القبض ـ يرفع ويخفض وقال : يقول الله ـ تعالى ـ : أنفق أنفق عليك» (١).
وقوله : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) جملة مستأنفة واردة لتأكيد كمال جوده ، والدلالة على أنه على مقتضى حكمته ومشيئته فهو ـ سبحانه ـ يبسط الرزق لمن يشاء أن يبسطه له ويقبضه عمن يشاء أن يقبضه عنه ، وقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه لا ينافي سعة كرمه ، لأنه يعطى ويمنع على حسب مشيئته التي أقام بها نظام خلقه.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقفهم الجحودى مما أنزله على رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً).
أى : إن ما أنزلنا عليك يا محمد من قرآن كريم ، وما أطلعناك عليه من خفى أمور هؤلاء اليهود ، ومن أحوال سلفهم كل ذلك ليزيدن الكثيرين منهم كفرا على كفرهم ، وطغيانا على طغيانهم ، وذلك لأنهم قوم أكل الحقد قلوبهم ، واستولى الحسد على نفوسهم.
وإذا كان ما أنزلناه إليك يا محمد فيه الشفاء لنفوس المؤمنين ، فإنه بالنسبة لهؤلاء اليهود يزيدهم بغيا وظلما وكفرا.
قال ـ تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٢).
فالجملة الكريمة بيان لموقف اليهود الجحودى من الآيات التي أنزلها الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم وهي في الوقت ذاته تسلية له صلىاللهعليهوسلم عما يلقاه منهم.
وقد أكد ـ سبحانه ـ هذه الجملة بالقسم المطوى ، وباللام الموطئة له ، ونون التوكيد الثقيلة لكي ينتفى الرجاء في إيمانهم ، وليعاملهم النبي صلىاللهعليهوسلم وأتباعه على أساس مكنون نفوسهم الخبيثة ، وقلوبهم المريضة بالحسد والخداع.
وقوله (كَثِيراً) هو المفعول الأول لقوله (وَلَيَزِيدَنَ) وفاعله ما الموصولة في قوله (ما أُنْزِلَ) وقوله (طُغْياناً) هو المفعول الثاني.
ثم زاد ـ سبحانه ـ في تسلية رسوله صلىاللهعليهوسلم فأصدر حكمه فيهم بدوام العداوة والبغضاء بين طوائفهم وفرقهم فقال : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) فالضمير في قوله (بَيْنَهُمُ) يعود إلى فرق اليهود المختلفة من فريسيين وصدوقيين وقرائين ، وكتبة وغير ذلك من فرقهم المتعددة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٧٥
(٢) سورة الإسراء الآية ٨٢