الإيمان به عند ظهوره وتنفيذ ما اشتملا عليه من أحكام أيدتها تعاليم الإسلام ، وأصل الإقامة الثبات في المكان. ثم استعير في إقامة الشيء لتوفية حقه.
والمراد بما أنزل إليهم من ربهم القرآن الكريم ، لأنهم مخاطبون به ، وليسوا خارجين عن دائرة التكاليف التي دعا إليها.
قال ـ تعالى ـ (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١) أى : لأنذركم به يا أهل مكة ، ولأنذر به أيضا جميع من بلغه هذا الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم.
وقيل : المراد بما أنزل إليهم من ربهم. كتب أنبيائهم السابقين مثل كتاب شعياء ، وكتاب حزقيل ، وكتاب دانيال. فإنها مشتملة أيضا على البشارة بالنبي صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بقوله : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) المبالغة في شرح ما ينعم الله به عليهم من خيرات وأرزاق تعمهم من كل جهة من الجهات لا أن هناك فوقا وتحتا.
أى : لأكلوا أكلا متصلا وفيرا ، ولعمهم الخير والرزق من كل جهة بأن تعطيهم السماء مطرها وبركتها ، وتعطيهم الأرض نباتها وخيرها ، فيعيشوا في رغد من العيش ؛ وفي بسطة من الرزق.
وفي ذلك دلالة على أن الاستقامة على شرع الله ، تأتى بالرزق الرغيد ، ولقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في آيات كثيرة ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ :
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (٢).
وقال ـ تعالى ـ حكاية عن هود أنه قال لقومه : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) (٣).
والمعنى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ) أى اليهود والنصارى (أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) بأن عملوا بما فيهما من أقوال تدعوهم إلى الإيمان بالدين الحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم وتركوا تحريف الكلم عن مواضعه.
ولو أنهم ـ أيضا آمنوا بما (أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) من قرآن مجيد فيه هدايتهم وسعادتهم لو أنهم فعلوا ذلك لأتاهم الرزق الواسع من كل ناحية ولعمهم الخير من كل جهة ، ولعاشوا آمنين مطمئنين.
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١٩
(٢) سورة الجن الآية ١٦
(٣) سورة هود الآية ٥٢