غيرها ، وكونها لذلك في حكم شيء واحد. والشيء الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ ؛ مؤمنا به غير مؤمن به» (١).
وفي ندائه صلىاللهعليهوسلم بوصف الرسالة تشريف له وتكريم وتمهيد لما يأمره به الله من وجوب تبليغ ما كلف بتبليغه إلى الناس دون أن يخشى أحدا سواه.
لأن الله ـ تعالى ـ هو الذي خلقه ورباه وتعهده بالرعاية والحماية. وهو الذي اختاره لحمل هذه الرسالة دون غيره ، فمن الواجب عليه صلىاللهعليهوسلم أن يبلغ جميع ما أنزل إليه منه ـ سبحانه ـ قال الجمل : وقوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ظاهر هذا التركيب اتحاد الشرط والجزاء ، لأنه يؤول ظاهرا إلى وإن لم تفعل فما فعلت ، مع أنه لا بد وأن يكون الجواب مغايرا للشرط لتحصل الفائدة ومتى اتحدا اختل الكلام.
وقد أجاب عن ذلك ابن عطية بقوله أى : وإن تركت شيئا فقد تركت الكل وصار ما بلغته غير معتد به فصار المعنى : وإن لم تستوف ما أمرت بتبليغه فحكمك في العصيان وعدم الامتثال حكم من لم يبلغ شيئا أصلا» (٢).
وقال صاحب الانتصاف ما ملخصه : ولما كان عدم تبليغ الرسالة أمرا معلوما عند الناس أنه عظيم شنيع ، ينقم على مرتكبه بل إن عدم نشر العلم من العالم أمر فظيع ، فضلا عن كتمان الرسالة من الرسول : لما كان الأمر كذلك استغنى عن ذكر الزيادات التي يتفاوت بها الشرط والجزاء ، للصوقها بالجزاء في الأفهام وإن كان من سمع عدم تبليغ الرسالة فهم ما وراءه من الوعيد والتهديد ، وحسن هذا الأسلوب في الكتاب العزيز يذكر الشرط عاما بقوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) ولم يقل : فإن لم تبلغ الرسالة فما بلغت الرسالة ، حتى يكون اللفظ متغايرا ، وهذه المغايرة اللفظية ـ وإن كان المعنى واحدا ـ أحسن رونقا ، وأظهر طلاوة من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء ، وهذا الفصل كاللباب من علم البيان» (٣).
هذا ، ومن المعلوم الذي لا خفاء فيه عند كل مسلم ، أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد بلغ ما أمره الله به البلاغ التام ، وقام به أتم القيام دون أن يزيد شيئا على ما كلفه به ربه أو ينقص شيئا.
وقد ساق ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من النصوص التي تشهد بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد امتثل أمر الله في تبليغ رسالته ، ومن ذلك ما رواه الشيخان عن عائشة أنها قالت لمسروق : من حدثك أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٩٥٦
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٥١٠
(٣) حاشية الكشاف ج ١ ص ٦٥٨