(حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
أى : لستم على شيء يقام له وزن من أمر الدين حتى تعملوا بما جاء في التوراة والإنجيل ، من أقوال تبشر برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم وحتى تؤمنوا بما أنزل إليكم من ربكم من قرآن كريم يهدى إلى الرشد : لأنكم مخاطبون به ، ومطالبون بتنفيذ أوامره ونواهيه ، ومحاسبون حسابا عسيرا على الكفر به ، وعدم الإذعان لما اشتمل عليه.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) فيه ما فيه من الاستخفاف بهم ، والتهوين من شأنهم ، أى : لستم على شيء يعتد به ألبتة من أمر الدين. وذلك كما يقول القائل عن أمر من الأمور : هذا الأمر ليس بشيء يريد تحقيره وتصغير شأنه. وفي الأمثال ، أقل من لا شيء.
فالجملة الكريمة تنفى عنهم أن يكون في أيديهم شيء من الحق والصواب ماداموا لم يؤمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم الذي بشرت به التوراة والإنجيل وأنزل الله عليه القرآن وهو الكتاب المهيمن على الكتب السماوية السابقة.
وقوله : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) جملة مستأنفة مبينة لغلوهم في العناد والجحود ، وناعية عليهم عدم انتفاعهم بما يشفى النفوس ، ويصلح القلوب. والضمير في قوله (مِنْهُمْ) يعود إلى أهل الكتاب.
أى : وإن ما أنزلناه إليك يا محمد من هدايات وخيرات ليزيدن هؤلاء الضالين من أهل الكتاب طغيانا على طغيانهم. وكفرا على كفرهم ؛ لأن نفوسهم لا تميل إلى الحق والخير وإنما تنحدر نحو الباطل والشر.
وقوله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) تذييل قصد به تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم والفاء للإفصاح. والأسى : الحزن. يقال : أسى فلان على كذا يأسى أسى إذا حزن.
أى : إذا كان شأن الكثيرين كذلك فلا تحزن عليهم ، ولا تتأسف على القوم الكافرين ؛ فإنهم هم الذين استحبوا العمى على الهدى ، وفي المؤمنين غنى لك عنهم.
وليس المراد نهيه صلىاللهعليهوسلم عن الحزن والأسى ، لأنهما أمران طبيعيان لا قدرة للإنسان عن صرفهما ، وإنما المراد نهيه عن لوازمهما ، كالإكثار من محاولة تجديد شأن المصائب وتعظيم أمرها وبذلك تتجدد الآلام ويحزن القلب.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن الناس أمامه سواء وأنه لا تفاضل بينهم إلا بالإيمان والعمل الصالح ، وأن الايمان الحق يقطع ما قبله من عقائد زائفة. وأفعال سيئة فقال ـ تعالى ـ :