لليهود والنصارى والصابئين بمعنى صدور الإيمان منهم على النحو الذي قرره الإسلام. فمن لم تبلغه منهم دعوة الإسلام ، وكان ينتمى إلى دين صحيح في أصله بحيث يؤمن بالله واليوم الآخر ويقوم بالعمل الصالح على الوجه الذي يرشده إليه دينه ، فله أجره على ذلك عند ربه.
أما الذين بلغتهم دعوة الإسلام من تلك الفرق ولكنهم لم يقبلوها ؛ فإنهم لا يكونون ناجين من عذاب الله مهما ادعوا أنهم يؤمنون بغيرها ؛ لأن شريعة الإسلام قد نسخت ما قبلها ، والرسول صلىاللهعليهوسلم قال : «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعى».
ويفسرونه ـ أى الإيمان المشار إليه سابقا ـ بالنسبة للمؤمنين الذين عبر الله عنهم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) على أنه بمعنى الثبات والدوام والإذعان ، وبذلك ينتظم عطف قوله ـ تعالى ـ (وَعَمِلَ صالِحاً) على قوله (آمَنَ) مع مشاركته هؤلاء المؤمنين لتلك الفرق الثلاث فيما يترتب على العمل الصالح من ثواب جزيل وعاقبة حميدة.
وبعض العلماء يرى أن معنى (مَنْ آمَنَ) أى : من أحدث من هذه الفرق إيمانا بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبما جاء به من عند ربه.
قالوا : لأن مقتضى المقام هو الترغيب في دين الإسلام ، وأما بيان من مضى على دين آخر قبل نسخه فلا ملابسة له بالمقام ، فضلا عن أن الصابئين ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات.
وقوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بيان لحسن عاقبتهم ، وجزيل ثوابهم.
أى. فلا خوف عليهم من أهوال يوم القيامة بل هم في مأمن منها ، ولا هم يحزنون على ما مضى من أعمارهم لأنهم أنفقوها في العمل الصالح.
هذا وقد قرأ جمهور القراء (وَالصَّابِئُونَ) بالرفع. وقرأ ابن كثير بالنصب.
وقد ذكر النحويون وجوها من الإعراب لتخريج قراءة الرفع التي قرأها الأكثرون ، ولعل خير هذه الوجوه ما ذكره الشيخ الجمل في قوله : وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أى : إيمانا حقا لا نفاقا. وخبر إن محذوف تقديره : فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. دل عليه المذكور ، وقوله : (وَالَّذِينَ هادُوا) مبتدأ. فالواو لعطف الجمل أو للاستئناف وقوله (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) عطف على هذا المبتدأ. وقوله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ). خبر عن هذه المبتدءات الثلاثة. وقوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بدل من كل منها بدل بعض من كل فهو مخصص. فكأنه قال : الذين آمنوا من اليهود والنصارى ومن الصابئين لا خوف عليهم ولا هم