أقانيم : أب ، وابن وروح القدس وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة. وعنوا بالأب الذات. وبالابن الكلمة.
وبالروح الحياة. وأثبتوا الذات والكلمة والحياة وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر أو اللبن فزعموا أن الأب إله ، والابن إله ، والروح إله ، والكل إله واحد.
ثم قال الإمام الرازي : واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل. فإن الثلاثة لا تكون واحدا ، والواحد لا يكون ثلاثة ، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فسادا وأظهر بطلانا من مقالة النصارى» (١) :
وقد ذكر بعض المفسرين أن الذين قالوا من النصارى إن الله ثالث ثلاثة هم النسطورية والمرقوسية (٢).
ومعنى ثالث ثلاثة : واحد من ثلاثة. أى : أحد هذه الأعداد مطلقا وليس الوصف بالثالث فقد ذكر النحاة أن اسم الفاعل المصوغ من لفظ اثنين وعشرة وما بينهما لك أن تستعمله على وجوه منها : أن تستعمله مع أصله الذي صيغ هو منه ، ليفيد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير. فتقول : رابع أربعة أى : واحد من أربعة وليس زائدا عليها ، ويجب حينئذ إضافته إلى أصله.
وقوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) بيان للاعتقاد الحق بعد ذكر الاعتقاد الباطل.
وقد جاءت هذه الجملة بأقوى أساليب القصر وهو اشتمالها على «ما» و «إلا». مع تأكيد النفي بمن المفيدة لاستغراق النفي.
والمعنى : لقد كفر الذين قالوا كذبا وزورا إن الله واحد من آلهة ثلاثة ، والحق أنه ليس في هذا الوجود إله مستحق للعبادة والخضوع سوى إله واحد وهو الله رب العالمين ، الذي خلق الخلق بقدرته ، ورباهم بنعمته. وإليه وحده مرجعهم وإيابهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة هؤلاء الضالين الذين قالوا ما قالوا من ضلال وكذب فقال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وهذه الجملة الكريمة معطوفة على قوله : (لَقَدْ كَفَرَ) والمراد بانتهائهم : رجوعهم عما هم عليه من ضلال وكفر.
والمراد بقوله : ـ (عَمَّا يَقُولُونَ) : أى عما يعتقدون وينطقون به من زور وبهتان.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ س ٦٠
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٥١٣