وقوله : (مُحِلِّي) جمع محل بمعنى مستحل. والصيد مصدر بمعنى الاصطياد. أو اسم للحيوان المصيد.
وقوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) حال من الضمير في (لَكُمْ).
وقوله : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ، حال من الضمير في (مُحِلِّي) والمعنى : يا أيها الذين آمنوا كونوا أوفياء بعهودكم مع الله ومع أنفسكم ومع غيركم ، فقد أحل الله ـ تعالى ـ بهيمة الأنعام لتنتفعوا بها فضلا منه وكرما ، إلا أنه ـ سبحانه ـ حرم عليكم أشياء رحمة بكم فاجتنبوها ، كما حرم عليكم الاصطياد أو الانتفاع بالمصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة ، سواء كنتم في الحل أم كنتم في الحرم ، ويدخل في حكم المحرم من كان في الحرم وليس محرما.
وذلك لأن المحرم أو من كان في أرض الحرم يجب عليه أن يكون مشتغلا بما يرضى الله ، وأن يحترم هذه الأماكن المقدسة التي جعلها الله أماكن أمان ، واطمئنان وعبادة لله رب العالمين.
وقد دعا الله ـ تعالى ـ المؤمنين إلى الوفاء بالعقود وناداهم بوصف الإيمان ، ليحثهم على امتثال ما كلفهم به ، لأن الشأن في المؤمن أن يمتثل لما أمره الله به أو لما نهاه عنه.
روى ابن أبى حاتم ، أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال : اعهد إلى. فقال له : إذا سمعت الله يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فارعها سمعك فإنه خير يأمر به ، أو شر ينهى عنه وقوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) تذييل قصد به بيان مشيئة الله النافذة ، وإرادته الشاملة ، وحكمه الذي لا يعقب عليه معقب.
أى : إن الله يحكم بما يريد أن يحكم به من الأحكام التي تتعلق بالحلال وبالحرام وبغيرهما ، بمقتضى مشيئته المبنية على الحكم البالغة ، دون أن ينازعه منازع ، أو يعارضه معارض ، فاستجيبوا ـ أيها المؤمنون ـ لحكمه لتنالوا السعادة في الدنيا والآخرة.
هذا ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب الوفاء بالعهود التي شرعها الله ـ تعالى ـ وهذا المعنى ترى سورة المائدة زاخرة به في كثير من آياتها.
فأنت ترى في مطلعها هذه الآية الكريمة التي تحض على الوفاء بالعقود ، ثم ترى الآية الثانية منها تنهى عن الإخلال بشيء من شعائر الله ، ثم تراها بعد ذلك بقليل تذكر المؤمنين بنعم الله عليهم وبميثاقه الذي واثقهم به : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ). ثم تحكى أن من الأسباب التي أدت إلى طرد بنى إسرائيل من رحمة الله ، نقضهم لمواثيقهم. (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ).