والمنكر : هو كل ما تنكره الشرائع والعقول من الأقوال والأفعال.
أى أن مظاهر عصيان الكافرين من بنى إسرائيل وتعديهم مما أدى إلى لعنهم وطردهم من رحمة الله أنهم كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن اقتراف المنكرات. واجتراح السيئات ، بل كانوا يرون المنكرات ترتكب فيسكتون عنها بدون استنكار مع قدرتهم على منعها قبل وقوعها.
وهذا شر ما تصاب به الأمم حاضرها ومستقبلها : أن تفشو فيها المنكرات والسيئات والرذائل فلا تجد من يستطيع تغييرها وإزالتها.
وقوله : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) ذم لهم على كثرة ولوغهم في المعاصي والمنكرات وتعجب من سوء فعلهم.
واللام في قوله (لَبِئْسَ) لام القسم فكأنه ـ سبحانه ـ قال : أقسم لبئس ما كانوا يفعلون وهو ارتكاب المعاصي والعدوان وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
قال صاحب الكشاف : قوله : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) للتعجيب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم. فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهى عن المناكير ، وقلة عبئهم به ، كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذا الباب.
فإن قلت ما معنى وصف المنكر بفعلوه ، ولا يكون النهى بعد الفعل؟ قلت : معناه لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه ، أو عن منكر أرادوا فعله كما ترى أمارات الخوض في الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فتنكر» (١).
هذا ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لأنهما قوام الأمم وسياج الدين ولإصلاح لأمة من الأمم إلا بالقيام بحقهما.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية عددا من الأحاديث في هذا المعنى.
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان».
وروى الإمام أحمد في معنى الآية عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم أو في أسواقهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون».
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٦٧.