التقليد ، وبعدهم عن التحقيق ، وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء ، وقد قيل : إن من مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأى طريق كان وفي تقديم اليهود على المشركين إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة» (١).
وقوله : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) معطوف على ما قبله لزيادة التوضيح والبيان.
أى : لتجدن يا محمد أشد الناس عداوة لك ولأتباعك ـ اليهود ـ والذين أشركوا. ولتجدن أقربهم مودة ومحبة لك ولأتباعك الذين قالوا إنا نصارى.
قال ابن كثير : أى الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة : وما ذاك إلا لما في قلوبهم ـ من لين عريكة ـ إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة ، كما قال ـ تعالى ـ (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً) وفي كتابهم : «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر» وليس القتال مشروعا في ملتهم (٢).
وقال الجمل : فإن قلت : كفر النصارى أشد من كفر اليهود لأن النصارى ينازعون في الألوهية فيدعون أن لله ولدا ، واليهود ينازعون في النبوة فينكرون نبوة بعض الأنبياء فلم ذم اليهود ومدح النصارى؟
قلت : هذا مدح في مقابلة ذم وليس مدحا على إطلاقه ، وأيضا الكلام في عداوة المسلمين وقرب مودتهم لا في شدة الكفر وضعفه (٣).
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) تعليل لقرب مودة النصارى للمؤمنين.
والقسيسين : جمع قسيس. وأصله من قس إذا تتبع الشيء فطلبه ، وهم علماء النصارى والمرشدون لهم.
والرهبان : جمع راهب كركبان جمع راكب وتطلق كلمة رهبان على المفرد كما تطلق على الجمع ، والراهب هو الرجل العابد الزاهد المنصرف عن الدنيا ، مأخوذ من الرهبة بمعنى الخوف. يقال : رهب فلان ربه يرهبه ، أى : خافه.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ١
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥١٧
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٥١٧