وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) الآية (١) واللغو من الكلام ـ كما يقول الراغب : ما لا يعتد به منه ، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. وقد يسمى كل قبيح لغوا. قال ـ تعالى ـ (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) (٢).
ولغو اليمين. أن يحلف الحالف على شيء يرى أنه صادق فيه ثم يتبين له خلاف ذلك.
ويرى بعضهم أن لغو اليمين هو الذي يجرى على اللسان بدون قصد ، كقولك لا والله وبلى والله.
وقد رجح هذا القول ابن كثير فقال ما ملخصه. واللغو في اليمين هو قول الرجل في الكلام من غير قصد : لا والله وبلى والله وهو مذهب الشافعى. وقيل هو في الهزل. وقيل في المعصية : وقيل على غلبة الظن وهو قول أبى حنيفة وأحمد والصحيح أنه اليمين من غير قصد بدليل قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) (٣).
وقوله : (عَقَّدْتُمُ) من العقد وهو الجمع بين أطراف الشيء لتوثيقه وهو نقيض الحل : وقرأ حمزة والكسائي (عَقَّدْتُمُ) بالتخفيف. وقرأ ابن عامر «عاقدتم».
والمراد بعقد الأيمان توكيدها وتوثيقها قصدا ونية.
والمعنى : لا يؤاخذكم الله ـ أيها المؤمنون ـ فضلا منه وكرما على اللغو في اليمين وهو ما يجرى على ألسنتكم بدون قصد. ولكن يؤاخذكم بالعقوبة في الآخرة أو بوجوب الكفارة بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها بالقصد والنية ، إذا حنثتم فيها ، بأن تعمدتم الكذب في أيمانكم.
فالمراد بعدم المؤاخذة في قوله (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) : عدم المعاقبة في الدنيا بالكفارة ولا في الآخرة بالعقوبة.
والمراد بالمؤاخذة في قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) : العقوبة الأخروية عند جمهور الفقهاء ويرى الشافعى أن المراد بها الكفارة التي تجب على الحانث.
وقوله (فِي أَيْمانِكُمْ) متعلق باللغو. وما في قوله (بِما عَقَّدْتُمُ) مصدرية أى : ولكن يؤاخذكم بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها. ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف. أى ولكن يؤاخذكم بالذي عقدتم الأيمان عليه.
وقوله : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ١٣.
(٢) المفردات في غريب القرآن ص ٤٥١.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٨٩.