الشديد من الله ـ تعالى ـ ، وهي التي يسميها الفقهاء باليمين الغموس ، أى التي تغمس صاحبها في النار ـ قال ـ تعالى ـ (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ).
أى : بما صممتم عليه منها وقصدتموه وأنتم حانثون فيها.
قال القرطبي ما ملخصه : خرج البخاري عن عبد الله بن عمرو قال : جاء أعرابى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ما الكبائر؟ قال : «الإشراك بالله. قال : : ثم ماذا؟ قال : عقوق الوالدين. قال : ثم ماذا؟ قال : اليمين الغموس» قلت : وما اليمين الغموس؟ قال : التي يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو كاذب فيها».
وخرج مسلم عن أبى أمامة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال صلىاللهعليهوسلم : وإن كان قضيبا من أراك».
وقد اختلف في اليمين الغموس فالذي عليه الجمهور أنها يمين مكر وخديعة وكذب فلا تنعقد ولا كفارة فيها. لأن هذا الحالف قد جمع بين الكذب ، واستحلال مال الغير ، والاستخفاف باليمين بالله. فأهان ما عظمه الله ، وعظم ما حقره الله ، ولهذا قيل : إنما سميت اليمين الغموس غموسا ، لأنها تغمس صاحبها في النار.
وقال الشافعى : «هي يمين منعقدة ، لأنها مكتسبة بالقلب ، معقودة بخبر ، مقرونة باسم الله ـ تعالى ـ ، وفيها الكفارة.
والصحيح الأول : وهو قول مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة ، وبه قال الأوزاعى والثوري وأهل العراق وأحمد وإسحاق وأصحاب الحديث وأصحاب الرأى من أهل الكوفة (١) :
٣ ـ أن (أَوْ) في قوله ـ تعالى ـ : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) للتخيير.
أى : أن الحالف إذا حنث في يمينه فهو مخير بين واحد من أمور ثلاثة ليكفر عن يمينه التي حنث فيها. وهذه الثلاثة هي الإطعام أو الكسوة ، أو عتق الرقبة. فإذا لم يجد إحدى هذه الكفارات الثلاث انتقل إلى الصوم.
قال الفخر الرازي : وأعلم أن الآية دالة على أن الواجب في كفارة اليمين أحد الأمور الثلاثة على التخيير ، فإن عجز عنها جميعا فالواجب شيء آخر وهو الصوم.
ومعنى الواجب المخير أنه لا يجب عليه الإتيان بكل واحد من هذه الثلاثة ولا يجوز له تركها
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١ ص ٢٦٨.