وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذين الوجهين بقوله : وأما القلائد ففيها وجهان :
أحدهما : أن يراد بها ذوات القلائد من الهدى وهي البدن. وتعطف على الهدى للاختصاص وزيادة التوصية بها لأنها أشرف الهدى كقوله (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) كأنه قيل : والقلائد منها خصوصا.
والثاني : أن ينهى عن التعرض لقلائد الهدى مبالغة في النهى عن التعرض للهدى. على معنى : ولا تحلوا قلائدها فضلا عن أن تحلوها. كما قال (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) فنهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهى عن إبداء مواقعها» (١).
وقوله : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) معطوف على قوله :
(لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ).
وقوله : (آمِّينَ) جمع آم من الأم وهو القصد المستقيم. يقال : أممت كذا أى : قصدته أى : ولا تحلوا أذى قوم قاصدين زيارة البيت الحرام بأن تصدوهم عن دخوله حال كونهم يطلبون من ربهم ثوابا. ورضوانا لتعبدهم في بيته المحرم.
ولكن ما المراد بهؤلاء الآمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا؟
قال بعضهم : المراد بهم المسلمون الذين يقصدون بيت الله للحج والزيارة. فلا يجوز لأحد أن يمنعهم من ذلك بسبب نزاع أو خصام لأن بيت الله ـ تعالى ـ مفتوح للجميع وعلى هذا يكون التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم في قوله (مِنْ رَبِّهِمْ) للتشريف والتكريم.
وجملة (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) حال من الضمير المستكن في قوله (آمِّينَ). وقد جيء بها لبيان مقصدهم الشريف ، ومسعاهم الجليل.
أى : قصدوا البيت الحرام يبتغون رزقا أو ثوابا من ربهم ، ويبتغون ما هو أكبر من كل ذلك وهو رضاه ـ سبحانه ـ عنهم وعلى هذا القول تكون الآية الكريمة محكمة ولا نسخ فيها ، وتكون توجيها عاما من الله ـ تعالى ـ لعباده بعدم التعرض بأذى لمن يقصد زيارة المسجد الحرام من إخوانهم المؤمنين ، مهما حدث بينهم من نزاع أو محلاف.
وقال آخرون : المراد بهم المشركون. واستدلوا بما رواه ابن جرير عن السدى من أن الآية
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٠٢.