وجواب الشرط محذوف والتقدير : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ـ أيها المؤمنون ـ واحذروا مخالفة أمرهما ، فإن توليتم وأعرضتم عن طاعتهما ، فقد وقعتم في الخطيئة وستعاقبون عليها عقابا شديدا ، واعلموا أنه ليس على رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم سوى التبليغ الواضح البين عن الله ـ تعالى ـ أما الحساب والجزاء ، والثواب والعقاب فمن الله وحده.
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا من التأكيدات ، وألوانا من التهديدات التي تدعو إلى اجتناب الخمر والميسر اجتنابا تاما وتركهما تركا لا عودة بعده إليهما.
وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى بقوله : أكد ـ سبحانه ـ تحريم الخمر والميسر بوجوه من التأكيد :
منها : تصدير الجملة بإنما.
ومنها : قرنهما بعبادة الأصنام ، ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم «شارب الخمر كعابد الوثن».
ومنها : أنه جعلهما رجسا كما قال ـ تعالى ـ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) ومنها : أنه جعلهما من عمل الشيطان ، والشيطان ، لا يأتى منه إلا الشر البحت.
ومنها : أنه أمر بالاجتناب وظاهر الأمر للوجوب.
ومنها : أنه جعل الاجتناب من الفلاح. وإذا كان الاجتناب فلاحا ، كان الارتكاب خيبة وخسرانا.
ومنها : أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال ـ وهو وقوع التعادي والتباغض ـ وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة.
ومنها : قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فهو من أبلغ ما ينهى به ، كأنه قيل : قد تلى عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون أم أنتم باقون على ما كنتم عليه ، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟؟؟» (١).
هذا ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :
١ ـ أن هذه الآيات الكريمة هي آخر ما نزل في القرآن لتحريم الخمر تحريما قاطعا لأن التعبير بالانتهاء والأمر به فيه إشارة إلى تمهيدات سابقة للتحريم.
قال القرطبي : تحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة. فإنهم كانوا مولعين بشربها ، وأول ما نزل في شأن الخمر قوله ـ تعالى ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) (٢) أى : في تجارتهم. فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا : لا حاجة فيما فيه
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٧٥ ـ بتصرف يسير ـ
(٢) سورة البقرة الآية ٢١٩