والمعنى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) أى : حرج أو إثم (فِيما طَعِمُوا) أى فيما تناولوه من خمر أو ما يشبهها من محرمات قبل أن يحرمها الله ـ تعالى ـ وكذلك لا إثم ولا حرج على من مات قبل التحريم.
وقوله : (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تحريض للمؤمنين على الازدياد من الإيمان والتقوى والعمل الصالح.
أى : إذا ما اتقوا الله وخافوه وتلقوا أوامره بالقبول ، وثبتوا على الإيمان ، وأكثروا من الأعمال الصالحات.
وقوله : (ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا) معطوف على ما قبله.
أى : ثم استمروا على تقواهم وامتلاء قلوبهم بخشية الله ، والإيمان الحق به ـ سبحانه ـ فتكرير التقوى والإيمان هنا لبيان أنه يجب استمرارهم ومواظبتهم على ذلك ، مع تمسكهم بما يقتضيه الإيمان والتقوى من فعل الخير وابتعاد عن الشر.
وقوله : (ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) معطوف على ما قبله ـ أيضا ـ لتأكيد معنى الاستمرار على هذه التقوى طول مدة حياتهم مع إحسانهم إلى أنفسهم بالإكثار من العمل الصالح ، وإلى غيرهم بما يستطيعونه من إسداء الخير إليه.
وقوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الحض على الإيمان والتقوى والإحسان ، ومدح المتمسكين بتلك الصفات الحميدة.
أى : والله ـ تعالى ـ يحب المحسنين إلى أنفسهم بإلزامها بالوقوف عند حدود الله ، والاستجابة له فيما أمر أو نهى أو أحل أو حرم برغبة ومسارعة ، وإلى غيرهم بمديد العون إليهم.
فالآية الكريمة من مقاصدها بيان جانب من مظاهر رحمة الله بعباده ، ورأفته بهم ؛ حيث بين لهم : أن من شرب الخمر أو لعب الميسر أو فعل ما يشبههما من محرمات ، ثم مات قبل أن ينزل الأمر بتحريم هذه الأشياء فإن الله ـ تعالى ـ لا يؤاخذه على ذلك. لأن المؤاخذة على الفعل تبدأ من وقت تحريمه لا من قبل تحريمه.
وكذلك الحال بالنسبة لمن وقع في هذه الأشياء قبل أن تحرم فإن الله لا يؤاخذه عليها ، وإنما يؤاخذه عليها بعد نزول تحريمها وهذا من فضل الله على عباده ، ورحمته بهم.
هذا ، وقد تعددت أقوال المفسرين حول مسألتين تتعلقان بهذه الآية الكريمة.
أما المسألة الأولى فهي : كيف شرط الله في رفع الجناح أى الإثم عن المطعومات والمشروبات الإيمان والتقوى ، مع أن الجناح مرفوع عن المباح من هذه الأشياء حتى عن الكافرين؟