والثاني : اتقوا قبل التحريم في غيرها من المحرمات ، ثم اتقوا بعد تحريمها شربها ، ثم اتقوا فيما بقي من أعمالهم وأحسنوا العمل.
الثالث : اتقوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله ، والمعنى الثاني ثم اتقوا الكبائر ، وازدادوا إيمانا ، والمعنى الثالث ، ثم اتقوا الصغائر وأحسنوا أى تنفلوا.
الرابع : قال ابن جرير : الاتقاء الأول : هو الاتقاء بتلقى أمر الله بالقبول والتصديق ، والدينونة به العمل. والاتقاء الثاني : الاتقاء بالثبات على التصديق ، والثالث : الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل» (١).
والذي يبدو لنا أن ما قاله ابن جرير أقرب إلى الصواب ، وأن تكرير التقوى إنما هو لتأكيد وجوب امتلاء قلب المؤمن بها ، واستمراره على ذلك حتى يلقى الله. فإن المؤمن بمداومته على خشيته ـ سبحانه ـ يتدرج من الكمال إلى الأكمل حتى يصل في إيمانه وتقواه إلى مرتبة الإحسان التي ترفعه إلى أعلى عليين ، والتي عرفها النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
ولقد بين لنا القرآن في مواطن كثيرة أن المؤمن يقوى إيمانه ويزداد ، بكثرة تدبره ما أنزله الله من شرائع وهدايات. ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (٢).
وقال تعالى ـ (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) (٣).
وبذلك نرى الآية الكريمة قد طمأنت المؤمنين إلى أن الله ـ تعالى ـ لن يؤاخذهم بما تعاطوه من محرمات قبل تحريمها. وأن الواجب عليهم أن يستمروا على مراقبتهم له ، وخشيتهم منه حتى يلقوه ـ عزوجل ـ.
وبعد أن حذر الله ـ تعالى ـ المؤمنين من تعاطى المنكرات كالخمر والميسر وبين لهم حكم من مات قبل تحريم هذه الأشياء بعد كل ذلك بين ـ سبحانه ـ بشيء من التفصيل بعض الأحكام التي تتعلق بالصيد فقال تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٢٩٦.
(٢) سورة التوبة ؛ الآيتان ١٢٤ ، ١٢٥.
(٣) سورة المدثر الآية ٣١.