وقوله : (بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) هو موضع الاختبار و (مِنَ) في قوله (مِنَ الصَّيْدِ) لبيان الجنس. أو التبعيض ، لأن المراد صيد البر دون البحر ، وصيد الإحرام دون صيد الإحلال.
ومعنى (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) تستطيع أيديكم أن تأخذ هذا الصيد بسهولة ويسر إذا كان صغيرا وقريبا منكم ، وتستطيع رماحكم أن تناله إذا كان كبيرا أو بعيدا بعدا نسبيا منكم.
وخص الأيدى والرماح بالذكر ، لأن معظم التصرفات التي تتعلق بالصيد تكون بالأيدى ، ولأن معظم الآلات التي تستعمل في الصيد تكون الرماح.
وقوله : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) تعليل قصد به بيان الحكمة من وراء الابتلاء والاختبار.
والمراد بالعلم في قوله : (لِيَعْلَمَ اللهُ ..) إظهار ما علمه أزلا من أهل طاعته ومعصيته ، حتى يتميز الخبيث من الطيب.
والمعنى : اختبرناكم أيها المؤمنون بنوع من البلايا ـ وهو تحريم صيد البر صغارا وكبارا ـ وأنتم محرمون أو في الحرم ، ليظهر ما علمه أزلا ـ ـ سبحانه ـ من أهل طاعته ومعصيته ، وبذلك يتميز للناس الخبيث من الطيب ، ويعرف الشخص الذي يخاف الله ويراقبه ـ مع أنه لم ير الله ـ سبحانه ـ من الشخص الذي لا يخافه بالغيب.
قال الجمل : وقوله (بِالْغَيْبِ) حال من فاعل يخافه ، أى : يخاف الله حالة كونه غائبا عن الله ومعنى كون العبد غائبا عن الله ، أنه لم ير الله تعالى.
أو حال من المفعول. أى : يخاف الله حال كونه ـ تعالى ـ ملتبسا بالغيب عن العبد ، أى غير مرئى له (١).
وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) بيان لسوء عاقبة المخالف لأوامر الله ، والمتجاوز لحدوده.
واسم الإشارة (ذلِكَ) يعود إلى ما بينه ـ سبحانه ـ لعباده من أحكام.
والمعنى : لقد اختبرناكم ـ أيها المؤمنون ـ بما اختبرناكم به ، ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه ، فمن تعدى منكم حدود الله بعد هذا البيان والإعلام ، فله عذاب شديد الآلام عظيم الإهانة ، لأن التعدي بعد الإنذار ، دليل على عدم المبالاة بأوامر الله ومن لم يبال بأوامر الله ساءت عاقبته وقبح مصيره. هذا ، ولقد نجحت الأمة الإسلامية وخصوصا سلفها الصالح في هذا الاختبار فقد
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٥٢٤.