وخرج البخاري أيضا عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم وفيه : «فو الله لا تسألونى عن شيء إلا أخبرتكم به مادمت في مقامي هذا» فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله؟ قال «النار» فقام عبد الله بن حذافة ـ وكان إذا لا حي يدعى إلى غير أبيه ـ فقال من أبى يا رسول الله؟ فقال : أبوك حذافة ..
وروى الدّارقطنيّ والترمذي عن على رضى الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قالوا : يا رسول الله ، أفي كل عام؟ فسكت. فقالوا : أفي كل عام؟ قال : «لا ولو قلت نعم لوجبت» فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) .. الآية.
وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
ثم قال القرطبي : ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع ، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض» (١).
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإيمان ، لا تسألوا نبيكم صلىاللهعليهوسلم أو غيره ، عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرهما. هذه الأشياء (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ) وتظهر (تَسُؤْكُمْ) أى : تغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم ، ومن المشقة عليكم ، ومن الفضيحة لبعضكم.
فالآية الكريمة ـ كما يقول ابن كثير ـ تأديب من الله لعباده المؤمنين ، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ، لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم ، وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ، فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» (٢).
وقد وجه ـ سبحانه ـ النداء إليهم بصفة الإيمان ، لتحريك حرارة العقيدة في نفوسهم ، حتى يستجيبوا بسرعة ورغبة إلى ما كلفوا به.
وقوله : (أَشْياءَ) اسم جمع من لفظ شيء ، فهو مفرد لفظا جمع معنى كطرفاء وقصباء ـ وهذا رأى الخليل وسيبويه وجمهور البصريين ـ.
ويرى الفراء أن أشياء جمع لشيء. وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة ، ومتعلق بقوله : (تَسْئَلُوا).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٣٠
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٠٤