والمعنى : ولا يحملنكم ـ أيها المؤمنون ـ بغضكم الشديد لقوم بسبب أنهم منعوكم من دخول المسجد الحرام ، لا يحملنكم ذلك على أن تعتدوا عليهم ، فإن الشرك إذا كان يبرر هذا العمل ، فإن الإسلام ـ وهو دين العدل والتسامح ـ لا يبرره ولا يقبله ، ولكن الذي يقبله الإسلام هو احترام المسجد الحرام ، وفتح الطريق إليه أمام الناس حتى يزداد المؤمن إيمانا ، ويفيء العاصي إلى رشده وصوابه.
قال ابن كثير : وقوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) أى : ولا يحملنكم بغض قوم ، «قد كانوا صدوكم عن المسجد الحرام ـ وذلك عام الحديبية ـ ، على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا ، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد .. فإن العدل واجب على كل أحد. في كل أحد ، وفي كل حال. والعدل ، به قامت السموات والأرض.
وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
وعن زيد بن أسلّم ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بالحديبية ، حين صدهم المشركون عن البيت ، وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم ناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة. فقال الصحابة. نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم ، فنزلت هذه الآية» (١).
وقوله : (شَنَآنُ قَوْمٍ) مصدر مضاف لمفعوله. أى : لا يحملنكم بغضكم قوما.
وقوله : (أَنْ صَدُّوكُمْ) ـ بفتح همزة أن ـ مفعول لأجله بتقدير اللام. أى : لأن صدوكم. فهو متعلق بالشنآن.
وقوله (أَنْ تَعْتَدُوا) في موضع نصب على أنه مفعول به.
أى : لا يحملنكم بغضكم قوما لصدهم إياكم عن المسجد الحرام الاعتداء عليهم.
وقراءة (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح الهمزة ـ هي قراءة الجمهور ، وهي تشير إلى أن الصد كان في الماضي ، وهي واضحة ولا إشكال عليها.
قال الجمل : وفي قراءة لأبى عمرو وابن كثير بكسر همزة أن على أنها شرطية وجواب الشرط دل عليه ما قبله. وفيها إشكال من حيث إن الشرط يقتضى أن الأمر المشروط لم يقع. مع أن الصد كان قد وقع. لأنه كان في عام الحديبية وهي سنة ست. والآية نزلت عام الفتح سنة ثمان ، وكانت مكة عام الفتح في أيدى المسلمين فكيف يصدون عنه؟ وأجيب بوجهين :
أو لهما : لا نسلّم أن الصد كان قبل نزول الآية فإن نزولها عام الفتح غير مجمع عليه.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥