أى أن الهداية التي ذكرها ـ سبحانه ـ في قولهم (إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) لا تتم إلا بإصلاح النفس ودعوة الغير إلى الخير والبر.
وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذه المعاني بقوله : كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتو والعناد من الكفرة ، يتمنون دخولهم في الإسلام ، فقيل لهم (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى (لا يَضُرُّكُمْ) الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين. وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؛ فإن من تركهما مع القدرة عليهما لا يكون مهتديا ، وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه (١).
ويبدو أن هذه الآية الكريمة قد فهمها بعض الناس فهما غير سليم ـ حتى في الصدر الأول من الإسلام.
قال القرطبي : روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن قيس بن أبى حازم قال : خطبنا أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ فقال : أيها الناس ـ إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) وإنى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده».
وروى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبى أمية الشعبانى قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع بهذه الآية؟ فقال : أية آية؟ قلت : قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا. سألت عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر. حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة. وإعجاب كل ذي رأى برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم.
وفي رواية قيل يا رسول الله! أجر خمسين منا أو منهم؟ قال «بل أجر خمسين منكم» (٢).
وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وإنى لأصغر القوم ؛ فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. فقلت أنا : أليس الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) فأقبلوا على بلسان واحد وقالوا : تنزع آية من القرآن لا تعرفها. ولا تدرى ما تأويلها ـ حتى تمنيت أنى لم أكن تكلمت ـ ثم أقبلوا يتحدثون ، فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن وإنك نزعت آية لا تدرى ما هي ، وعسى أن تدرك ذلك
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٥٨
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٤٣