قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) متعلقا بقوله قبل ذلك (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ).
أى : أنهم قالوا لعيسى آمنا واشهد بأننا مسلمون ، في الوقت الذي قالوا له فيه (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) فكأنهم ادعوا الإيمان والإسلام ادعاء بدون إيقان وإذعان ، وإلا فلو كانوا صادقين في دعواهم لما قالوا لعيسى بأسلوب الاستفهام : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قالوا : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) بعد إيمانهم وإخلاصهم؟ قلت : ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص ، وإنما حكى ادعاءهم لهما ، ثم اتبعه بقوله : (إِذْ قالَ) فإذن دعواهم كانت باطلة ، وانهم كانوا شاكين ، وقوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم. وكذلك قول عيسى لهم معناه : اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته ، ولا تقترحوا عليه ولا تحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أى : إن كانت دعواكم للايمان صحيحة (١).
وذهب جمهور العلماء إلى أن الحواريين عند ما قالوا لعيسى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كانوا مؤمنين واستدلوا على ذلك بأدلة منها :
١ ـ أن الظرف في قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) ليس متعلقا بقوله : (قالُوا آمَنَّا) وإنما هو منصوب بفعل مضمر تقديره اذكر ، وهذا ما رجحه العلامة أبو السعود في تفسيره فقد قال :
قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) كلام مستأنف مسوق لبيان بعض ما جرى بينه عليهالسلام ـ وبين قومه منقطع عما قبله ، كما ينبئ عنه الإظهار في موضع الإضمار وإذ منصوب بمضمر. وقيل : هو ظرف لقالوا أريد به التنبيه على أن ادعاءهم الايمان والإخلاص لم يكن عن تحقيق وإيقان ولا يساعده النظم الكريم» (٢).
٢ ـ أن قول الحواريين لعيسى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) لا يسحب عنهم الإيمان ، وقد خرج العلماء قولهم هذا بتخريجات منها (أ) أن قولهم لم يكن من باب الشك في قدرة الله ، وإنما هو من باب زيادة الاطمئنان عن طريق ضم علم المشاهدة إلى العلم النظري بدليل أنهم قالوا بعد ذلك (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا).
وشبيه بهذا قول إبراهيم (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٩٣
(٢) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٧٢.