ومنشأ اختلافهم في أن الذكاة تعمل أولا تعمل يعود إلى : هل الاستثناء هنا متصل أو منقطع؟
فمن قال إنه متصل يرى أنه أخرج من الجنس بعض ما تناوله اللفظ ، فما قبل حرف الاستثناء حرام ، وما بعده خرج منه فيكون حلالا.
ومن قال إنه منقطع يرى أنه لا تأثير للاستثناء في الجملة المتقدمة. وكأنه قال : ما ذكيتموه من غير الحيوانات المتقدمة فهو حلال أباح الله لكم التمتع به. أما هذه الحيوانات التي حرمها الله في الآية فلا يجوز لكم الأكل منها مطلقا.
وقد رجح المحققون من العلماء أن الاستثناء متصل ، وقالوا : يؤيد القول بأن الاستثناء متصل الإجماع على أن الذكاة تحلل ما يغلب على الظن أنه يعيش فيكون مخرجا لبعض ما يتناوله المستثنى منه ، فيكون الاستثناء فيه متصلا.
هذا ملخص لما قاله العلماء في هذه المسألة ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتب الفروع.
٣ ـ إباحة تناول هذه المحرمات عند الضرورة لدفع الضرر ، وأن هذه الاباحة مقيدة بقيود ذكرها الفقهاء من أهمها قيدان.
الأول : أن يقصد بالتناول دفع الضرر فقط.
الثاني : ألا يتجاوز ما يسد الحاجة ، أما إذا قصد التلذذ أو إرضاء الشهوة ، أو تجاوز المقدار الذي يدفع الضرر فإنه في هذه الأحوال يكون واقعا في المحرم الذي نهى الله عنه.
وقد تكلم الإمام ابن كثير عن هذه المسألة فقال : قوله ـ تعالى ـ (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). أى : فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله والله غفور له رحيم به ، لأنه ـ تعالى ـ يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك فيتجاوز عنه ويغفر له.
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن ابن عمر ـ مرفوعا ـ قال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته».
ولهذا قال الفقهاء : قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان ، وهو إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها ، وقد يكون مندوبا ، وقد يكون مباحا بحسب الأحوال. واختلفوا : هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق ، أوله أن يشبع ويتزود على أقوال ، وليس من شرط تناول الميتة أن يمضى عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما ، كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم ـ بل متى اضطر إلى ذلك جاز له.
وقد روى الإمام أحمد عن أبى واقد الليثي أنهم قالوا : يا رسول الله ، إنا بأرض تصيبنا بها