كلفكم به فإنه ـ تعالى ـ لا يعجزه شيء ، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به التحذير من مخالفة أمر الله ، وانتهاك محارمه. هذا ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى :
١ ـ إباحة التمتع بالطيبات التي أحلها الله ـ تعالى ـ لعباده ، والتي تستطيبها النفوس الكريمة ، والعقول القويمة ، من مطعومات ومشروبات وغير ذلك مما أحله ـ سبحانه ـ لعباده. وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة منها ، قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ ، وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١).
٢ ـ إباحة الصيد بالجوارح بشرط كونها معلمة ، وعلامة كونها معلمة أن تسترسل إذا أرسلت ، وتنزجر إذا زجرت ، وتمسك الصيد ولا تأكل منه ، وتعود إلى صاحبها متى دعاها.
ويدخل في الجوارح ـ عند جمهور الفقهاء ـ كل حيوان يصنع صنيع الكلب ، وكل طير كذلك ، لأن قوله ـ تعالى ـ (مِنَ الْجَوارِحِ) ، يعم كل حيوان يصنع صنيع الكلب. وكان التعبير بمكلبين ، لأن الكلاب أكثر الحيوانات استعمالا للصيد.
وقد جاء في حديث عدى بن حاتم الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : «ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك». ويرى بعض الفقهاء أن الصيد لا يكون إلا بالكلاب خاصة.
قال القرطبي ما ملخصه : وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تتناول ما علمناه من الجوارح وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير. وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع ، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها وبسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل. وهو الأكل من الجوارح. أى : الكواسب من الكلاب وسباع الطير.
وليس في قوله (مُكَلِّبِينَ) دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلاب خاصة ، وإن كان قد تمسك به من قصر الإباحة على الكلاب خاصة» (٢).
٣ ـ استدل بعض الفقهاء بقوله ـ تعالى ـ (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) على أن الكلب وما يشبهه من الجوارح إذا أكل من الصيد الذي أمسكه ، فإنه في هذه الحالة لا يحل الأكل منه ، لأنه لم يمسك لمن أرسله وإنما أمسك لنفسه وبهذا قال الشافعية والحنابلة.
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٣٢.
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٦٦.