الجوارح نحريرا في علمه ، مدربا فيه ، موصوفا بالتكليب.
قوله ـ تعالى ـ (تُعَلِّمُونَهُنَ) حال ثانية أو استئناف. وفيه فائدة جليلة وهي أن على كل آخذ علما أن لا يأخذه إلا من أبرع أهله علما وأكثرهم دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه ، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل. فكم من آخذ عن غير متقن ، قد ضيع أيامه ، وعض عند لقاء النحارير أنامله (١).
وقوله (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) جملة متفرعة على بيان حل صيد الجوارح المعلمة ، ومشيرة إلى نتيجة التعليم وأثره والأمر فيه للإباحة.
ومن في قوله (مِمَّا أَمْسَكْنَ) تبعيضية ؛ إذ من الممسك ما لا يؤكل كالجلد والعظم ونحوهما. ويحتمل أن تكون بيانية أى : فكلوا الصيد وهو ما أمسكن عليكم.
وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف أى : أمسكنه.
وقوله (أَمْسَكْنَ) أى : حبس وصدن ، والضمير المؤنث يعود للجوارح.
وقوله (عَلَيْكُمْ) متعلق بأمسكن ، وهو هنا بمعنى لكم ، والاستعلاء مجازى.
والتقييد بذلك ، لإخراج ما أمسكنه لأنفسهن لا لأصحابهن.
والمعنى : إذا علمتم الجوارح وتوفرت شروط الحل فيما تصيده ، فكلوا مما أمسكنه محبوسا عليكم ولأجلكم.
والضمير في (عَلَيْهِ) من قوله : (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) يعود إلى (ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ). أى : عند إرسالكم الجوارح للصيد فسموا عليها ، ويدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم لعدي بن حاتم : «وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم ـ الله تعالى ـ فكل مما أمسك عليك».
وقال بعضهم إنه يعود على المصدر المفهوم من الفعل وهو الأكل. فكأنه قيل : واذكروا اسم الله عند الأكل مما صدن لكم. وقيل : يعود على قوله (مِمَّا أَمْسَكْنَ) أى : اذكروا اسم الله على ما أدركتم ذكاته مما أمسكن عليكم الجوارح ، ولا بأس من عود الضمير إلى كل ما ذكر ، بأن يذكر اسم الله عند إرسال الجوارح ، وعند الأكل مما صادته. وعند تذكية الحيوان الذي صادته الجوارح.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
أى : واتقوا الله وراقبوه واخشوه في كل شئونكم واحذروا مخالفة أمره فيما شرع لكم وفيما
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٠٦.