و (الْجَوارِحِ) جمع جارحة. وهي ـ كما يقول ابن جرير ـ الكواسب من سباع البهائم والطير. سميت جوارح لجرحها لأربابها ، وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد. يقال منه : جرح فلان لأهله خيرا. إذا أكسبهم خيرا وفلان جارحة أهله. يعنى بذلك : كاسبهم ، ويقال : لا جارحة لفلانة إذا لم يكن لها كاسب».
ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) (١) أى : كسبتم بالنهار. وقيل : سميت جوارح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه.
وقوله : (مُكَلِّبِينَ) أى : مؤدبين ومعودين لها على الصيد. فالتكليب : تعليم الكلاب وما يشبهها الصيد. فهو اسم فاعل مشتق من اسم هذا الحيوان المعروف لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب. أو هو مشتق من الكلب بمعنى الضراوة. يقال : كلب الكلب يكلب واستكلب أى : ضرى وتعود نهش غيره وهو حال من فاعل علمتم.
والمعنى : أحل الله لكم الطيبات ، وأحل لكم صيد ما علمتموه من الجوارح حال كونكم مؤدبين ومعودين لها على الصيد.
وقوله : (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) في محل نصب على أنه حال ثانية من فاعل (عَلَّمْتُمْ) أو من الضمير المستتر في (مُكَلِّبِينَ).
أى : تعلمون هذه الجوارح بعض ما علمكم الله إياه من فنون العلم والمعرفة بأن تدربوهن على وسائل التحايل وعلى الطرق المتنوعة للاصطياد وعلى الانقياد لأمركم عند الإرسال وعند الطلب ، وعلى عدم الأكل من المصيد بعد صيده.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة بيان بعض مظاهر فضل الله على الناس ، حيث منحهم العلم الذي عن طريقه علموا غيرهم ما يريدونه منه ، وسخروا هذا الغير لمنفعتهم ومصلحتهم.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : قوله : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) عطف على الطيبات : أى : أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح ، فحذف المضاف أو تجعل «ما» شرطية وجوابها (فَكُلُوا) والجوارح : الكواسب من سباع البهائم والطير ، كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي ، والمكلب : مؤدب الجوارح ومغريها بالصيد لصاحبها ، ورائضها ذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب.
وانتصاب (مُكَلِّبِينَ) على الحال من (عَلَّمْتُمْ).
فإن قلت : ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟ قلت : فائدتها أن يكون من يعلم
__________________
(١) سورة الأنعام. الآية ٦٠.